الكاتب الصحفي إسماعيل أبو الهيثم يكتب: وجوب اعادة النظر في الصورة النمطية المأخوذة عن الأعراب ، وخطورة التشبه بالفرع المتبوذ منهم !!


سمعت شخصان يتجادلان في قول الحق سبحانه وتعالى: الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا ............ الآية ٩٧ من سورة "التوبة"
أحدهما (المتعلم ) صرف المعني إلي العرب ، باعتبار أن الأعراب جمع عرب ، والآخر (غير المتعلم ) لم يسترح لما يقوله مجادله .
فأشكرني غير المتعلم في الحوار ، سائلاً ، هل ما يقوله صديقي صحيح ؟ قلت : لا ، وطال النقاش ورأيت أن أطلع حضراتكم علي ما قلته لهما .
قلت : ابتداءا جدير بنا أن نعرف من هو العربي ومن هو الأعرابي ؟!.
العرب هم أمة قومية واسعة، تشمل مجموعة متنوعة من القبائل والأقاليم والمناطق ، فكل من ينتمي إلى أصل عربي، سواء كان يسكن البادية أو الحضر. فهو عربي ، باعتبار العروبة هوية قومية وعرقية متجذرة. بينما الأعراب هم بشكل عام سكان البادية أو الصحراء من بين هؤلاء العرب.
في الماضي، كان الأعراب يمثلون جزءًا كبيرًا من السكان العرب، ويعيشون في البادية ويتميزون بثقافة وتقاليد خاصة بهم. ومع مرور الوقت، تغيرت طبيعة حياة الأعراب، وزاد عدد سكان المدن والقرى، مما أدى إلى تضاؤل عدد الأعراب في بعض المناطق.
فقال غير المتعلم : لكن هؤلاء الأعراب كفار بل أشد كفرا ، ومنافقين ، بل أشد نفاقا ، صح ؟ قلت : ليس كلهم !!
قال . الله قال : الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا ولم يقل بعض منهم ؟.
قلت : لقد ذم الله الأعراب بأنهم أشد كفراً ونفاقاً أي من غيرهم من سكان الحضر، ومن كفار ومنافقي المدينة ، ولا يقتضي هذا أنهم كلهم كذلك، و إنما كانوا كذلك لبعدهم عن معقل الوحي ومحل العلم.
فعلي الرغم من التسليم بتفشي الجفاء وغلظة الطبع، وقصور العقل فيهم فليس ذلك، عاماً ، بل إن فيهم الأذكياء والنبهاء والفصحاء كما هو معلوم من أخبارهم ،
والأعراب كغيرهم فيهم المؤمن والكافر والبر والفاجر، ومن ثم فتعميم ذمهم، أو إطلاق الحكم بأنهم جميعا كفار، أو منافقون غلط ظاهر،
قال بعض العلماء في تفسير قوله تعالى: الأعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله. الْأَعْرابُ وهم أهل البدو أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً أي من أن أهل الحضر، لجفائهم وقسوتهم وتوحشهم، ونشئهم في بعد من مشاهدة العلماء، ومعرفة الكتاب والسنة وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ أي وأحق بجهل حدود الدين، وما أنزل الله من الشرائع والأحكام، وَاللَّهُ عَلِيمٌ أي يعلم حال كل أحد من أهل الوبر والمدر، حَكِيمٌ أي فيما يصيب به مسيئهم ومحسنهم، مخطئهم ومصيبهم من عقابه وثوابه. قال ابن كثير: ولما كانت الغلظة والجفاء في أهل البوادي، لم يبعث الله منهم رسولا، وإنما كانت البعثة من أهل القرى، كما قال تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى [يوسف: ١٠٩] .
والله سبحانه وتعالى كما وصف الأعراب بهذا ، فقد بين أن منهم طائفة على الجادة ، استقاموا على الشرع الحنيف وطبقوا تعاليم الدين، قال تعالى: وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ، هَذَا هُوَ الْقِسْمُ الْمَمْدُوحُ مِنَ الْأَعْرَابِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ مَا يُنْفِقُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قُرْبَةً يَتَقَرَّبُونَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ، وَيَبْتَغُونَ بِذَلِكَ دُعَاءَ الرَّسُولِ لَهُمْ، أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ أَيْ أَلَا إِنَّ ذَلِكَ حَاصِلٌ لَهُمْ، سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
وبناءا علي ذلك فإن التعميم خطأ من قائله، لأن الميزان الذي يوزن به الناس جميعا بدويهم وحضريهم هو تقوى الله تعالى، فمن كان أكثر تقوى كان أرفع درجة وأقرب إلى الله جل اسمه، قال تعالى: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {الحجرات:١٣}
واذا أردنا الوقوف علي أوجه البلاغة في الآية محل النظر ""الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ" الآية ٩٧ من سورة "التوبة
سنجد ( أشد ) و ( أجدر ) اسما تفضيل ولم يذكر معهما ما يدل على مفضل عليه ، فيجوز أن يكونا على ظاهرهما فيكون المفضل عليه أهل الحضر ، أي كفار ومنافقي المدينة . وهذا هو الذي تواطأ عليه جميع المفسرين .
وازديادهم في الكفر والنفاق هو بالنسبة لكفار ومنافقي المدينة . ومنافقوهم أشد نفاقاً من منافقي المدينة . وهذا الازدياد راجع إلى تمكن الوصفين من نفوسهم ، أي كفرهم أمكن في النفوس من كفر كفار المدينة ، ونفاقهم أمكن من نفوسهم كذلك ، أي أمكن في جانب الكفر منه والبعدِ عن الإقلاع عنه وظهور بوادر الشر منهم ، وذلك أن غلظ القلوب وجلافة الطبع تزيد النفوس السيئة وحشة ونفوراً . ألا تعلما أن ذا الخويصرة التميمي ، وكان يدعى الإسلام ، لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أعطى الأقرع بن حابس ومن معه من صناديد العرب من ذهب قَسمَه قال ذو الخويصرة مواجهاً النبي صلى الله عليه وسلم «اعدل» فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " ويحك ومَن يعدل إن لم أعْدِل "..
ولا غرابة في قوله ، فإن الأعراب لنشأتهم في البادية كانوا بعداء عن مخالطة أهل العقول المستقيمة وكانت أذهانهم أبعد عن معرفة الحقائق وأملأ بالأوهام ، وهُم لبعدهم عن مشاهدة أنوار النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاقه وآدابه وعن تلقي الهدى صباحَ مساءَ أجهلُ بأمور الديانة وما به تهذيب النفوس ، وهم لتوارثهم أخلاق أسلافهم وبعدهم عن التطورات المدنية التي تؤثّر سُمّوا في النفوس البشرية ، وإتقاناً في وضع الأشياء في مواضعها ، وحكمة تقليدية تتدرج بالأزمان ، يكونون أقرب سيرة بالتوحش وأكثر غلظة في المعاملة وأضيع للتراث العلمي والخلقي؛ ولذلك قال عثمان لأبي ذرّ لما عزم على سكنى الربذة : تَعَهَّد المدينةَ كيلا ترتَدَّ أعرابياً .!!
فأما في الأخلاق التي تحمد فيها الخشونة والغلظة والاستخفاف بالعظائم مثل الشجاعة؛ والصراحة وإباء الضيم والكرم فإنها تكون أقوى في الأعراب بالجبلة ، ولذلك يكونون أقرب إلى الخير إذا اعتقدوه وآمنوا به .
لذا لابد من إعادة النظر في الصورة النمطية المأخوذة عن الأعراب جميعا ، علي أنهم جميعا كفرة وفجار وجاحدين ونسبت لهم نعوت ما أنزل بها من سلطان اجتزئت من الآيات اجتزاء متعمدا لتوظِف فيما بعد هذا التأول لخدمة الصورة النمطية أثناء صياغة الشخصية الأعرابية
وللتدليل علي ما قلته : فقد ورد ذكر الأعراب في عشرة آيات في القران ، لا تخاطبهم بذات الطريقة التي اخذت عنهم
١. وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ الَّذِينَ كَذَبُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }التوبة٩٠.
بين الله سبحانه وتعالى حال ذوي الأعذار في ترك الجهاد الذين جاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتذرون اليه ويبينون له ماهم فيه من الضعف وعدم القدرة على الخروج وهم من أحياء العرب ممن حول المدينة أنهم نفر من بني غفار اعتذروا فلم يعذرهم الله وقعد آخرون (من الأعراب) عن المجيء للاعتذار ثم أوعدهم بالعذاب الأليم.
٢- . الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى رَسُولِهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ }التوبة٩٧.
أجدر أي أحرى أن لا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله، جلس أعرابي إلى زيد بن صوحان وهو يحدث أصحابه وكانت يده قد أصيبت يوم نهاوند فقال الأعرابي: والله إن حديثك ليعجبني وإن يدك لتريبني فقال زيد: ما يريبك من يدي إنها الشمال؟ فقال الأعرابي؟ والله ما أدري اليمين يقطعون أو الشمال فقال زيد: صدق الله ورسوله ( الأعراب أشد كفرا ونفاقا (الآية)
٣- وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السَّوْءِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }التوبة٩٨.
ومن الأعراب قوم آخرون يعتبرون ما ينفقونه في سبيل الله غرامة وخسارة عليهم لأنهم لا ينفقون ما ينفقونه طمعا في ثواب، أو خوفا من عقاب وإنما ينفقونه تقية ورياء ومداراة للمسلمين، لا مساعدة للغزاة والمجاهدين، ولا حبا في انتصار المؤمنين.أى: أنهم بجانب اعتبارهم ما ينفقونه غرامة وخسارة، ينتظرون بكم- أيها المؤمنون- صروف الدهر ونوائبه التي تبدل حالكم من الخير إلى الشر ومن النصر إلى الهزيمة، ومن الصحة إلى المرض والأسقام، ومن الأمان والاطمئنان إلى القلق والاضطراب..وقوله: عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ جملة معترضة، جيء بها للدعاء عليهم.
أى: عليهم لا عليكم- أيها المؤمنون- تدور دائرة السوء، التي يتبدل بها حالهم إلى الهلاك والفساد.وقوله: وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ تذييل قصد به تهديدهم وتحذيرهم بما ارتكسوا فيه من نفاق وكفر وشقاق.
والله تعالى- «سميع» لكل ما يتفوهون به من أقوال، «عليم» بكل ما يظهرونه وما يبطنونه من أحوال، وسيحاسبهم على ما صدر منهم حسابا عسيرا يوم القيامة: وينزل بهم العقاب الذي يناسب جرائمهم
٤- وَمِنَ الأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ اللّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }التوبة٩٩
هذا هو القسم المحمود(من الأعراب) الذين يتخذون ما ينفقون في سبيل الله قربة يتقربون بها عند الله ويبتغون بذلك دعاء الرسول لهم ( ألا إنها قربة لهم ) أي ألا إن ذلك حاصل لهم ( سيدخلهم الله في رحمته إن الله غفور رحيم )
٥- وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ }التوبة١٠١.
يخبر تعالى رسوله أن في أحياء العرب ممن حول المدينة منافقون وفي أهل المدينة أيضا منافقون ، ما كان لأهل المدينة ومن حولهم من الأعراب أن يتخلفوا عن رسول الله ولا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب ولا مخمصة في سبيل الله ولا يطؤون موطئا يغيظ الكفار ولا ينالون من عدو نيلا إلا كتب لهم به عمل صالح إن الله لا يضيع أجر المحسنين [ التوبة ١٢٠ ]
يخبر تعالى المتخلفين عن رسول الله صلى الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك من أهل المدينة ومن حولها من أحياء العرب ورغبتهم بأنفسهم عن مواساته فيما حصل له من المشقة فأنهم نقصوا أنفسهم من الأجر لأنهم ( لايصيبهم ظمأ ) وهو العطش ( ولانصب ) وهو التعب ( ولا مخمصة ) وهي المجاعة ( ولايطؤن موطئا يغيظ الكفار ) أي ينزلون منزلا يرهب عدوهم ( ولاينالون ) منه ظفرا وغلبة عليه ( إلا كتب لهم ) بهذه الأعمال التي ليست داخلة تحت قدرهم وإنما هي ناشئة عن أفعالهم أعمالا صالحة وثوابا جزيلا
*يحسبون الأحزاب لم يذهبوا وإن يأت الأحزاب يودوا لو أنهم بادون في الأعراب يسألون عن أنبائكم ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا [ الأحزاب ٢٠ ]
أي ويودون إذا جاءت الأحزاب أنهم لا يكونون حاضرين معكم في المدينة بل في البادية يسألون عن أخباركم وما كان من أمركم مع عدوكم ( ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا ) أي ولو كانوا بين أظهركم لما قاتلوا معكم إلا قليلا لذلتهم وضعف يقينهم
٦- مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ }التوبة١٢٠.
يقول تعالى ـ حاثا لأهل المدينة المنورة من المهاجرين، والأنصار، ومن حولهم من الأعراب، الذين أسلموا فحسن إسلامهم ـ : {مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} أي: ما ينبغي لهم ذلك، ولا يليق بأحوالهم.{وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ} في بقائها وراحتها، وسكونه {عَنْ نَفْسِهِ} الكريمة الزكية، بل النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فعلى كل مسلم أن يفدي النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، بنفسه ويقدمه عليها، فعلامة تعظيم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومحبته والإيمان التام به، أن لا يتخلفوا عنه، ثم ذكر الثواب الحامل على الخروج فقال: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ} أي: المجاهدين في سبيل اللّه {لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ} أي: تعب ومشقة {وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} أي: مجاعة.{وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّار} من الخوض لديارهم، والاستيلاء على أوطانهم، {وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا} كالظفر بجيش أو سرية أو الغنيمة لمال {إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ} لأن هذه آثار ناشئة عن أعمالهم.{إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} الذين أحسنوا في مبادرتهم إلى أمر الله، وقيامهم بما عليهم من حقه وحق خلقه، فهذه الأعمال آثار من آثار عملهم.
٧- يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَإِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلاً }الأحزاب٢٠.
أي ويودون إذا جاءت الأحزاب أنهم لا يكونون حاضرين معكم في المدينة بل في البادية يسألون عن أخباركم وما كان من أمركم مع عدوكم ( ولو كانوا فيكم ما قاتلوا إلا قليلا ) أي ولو كانوا بين أظهركم لما قاتلوا معكم إلا قليلا لذلتهم وضعف يقينهم
٨- سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرَابِ شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا فَاسْتَغْفِرْ لَنَا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ لَكُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ بِكُمْ ضَرّاً أَوْ أَرَادَ بِكُمْ نَفْعاً بَلْ كَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً }الفتح١١.
الأعراب الذين اختاروا المقام في أهليهم وشغلهم وتركوا المسير مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاعتذروا بشغلهم بذلك وسألوا أن يستغفر لهم الرسول صلى الله عليه وسلم وذلك قول مبهم لاعلى سبيل الاعتقاد بل على وجه التقية والمصانعة
٩- قُل لِّلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُوْلِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِن تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْراً حَسَناً وَإِن تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُم مِّن قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً }الفتح١٦.
اختلف المفسورن في هؤلاء القوم الذين يدعون إليهم الذين هم أولو بأس شديد على أقوال أنهم هوازن أوأهل فارس وقال كعب الأحبار هم الروم قال سفيان هم الترك و قال ابن أبي عمر : حدثنا ابن أبي خالد عن أبيه قال نزل علينا أبو هريرة رضي الله عنه ففسر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم تقاتلون قوما نعالهم الشعر قال :هم البارزون وقوله تعالى ( تقاتلونهم أو يسلمون ) يعني شرع لكم جهادهم وقتالهم فلا يزال ذلك مستمرا عليهم ولكم النصرة عليهم أو يسلمون فيدخلون في دينكم بلا قتال بل باختيار
١٠- قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }الحجرات١٤٠.
يقول تعالى منكرا على الأعراب الذين أول مادخلوا في الإسلام ادعوا لأنفسهم مقام الإيمان ولم يتمكن الإيمان في قلوبهم بعد وتبين هذه الآية الكريمة أن الإيمان أخص من الإسلام كما هو مذهب أهل السنة والجماعة فدل هذا على أن هؤلاء الأعراب المذكورين في هذه الآية ليسوا بمنافقين وإنما هم مسلمون لم يستحكم الإيمان في قلوبهم فادعوا لأنفسهم مقاما أعلى مما وصلوا إليه فأدبوا في ذلك،فهؤلاء قوم من بوادي العرب قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم المدينة طمعاً في الصدقات لا رغبة في الإسلام فسماهم الله تعالى الأعراب
الخلاصة
أن الأعراب غير العرب، وفَرْقٌ كبير بين اللفظين؛ فالعرب هم الجنس المعروف الذي ينقسم إلى حَضَرٍ وبَدْو، والحضر: هم سكان المدن والقرى، أما البدو: فهم سكان البادية دومًا، والأعراب جزء من البدو.، وأن في الأعراب كفارًا ومنافقين ومؤمنين، وأن كفرهم ونفاقهم أعظم من غيرهم وأشد، و(أجدر): أي: أحرى ألَّا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله فعن ابن عباس رضي الله عنهما، عن النبيِّ صلي الله عليه وسلم قال : “من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غَفَل، ومن أتى السلطان افتتن” رواه أبو داود والترمذيُّ
ومما سبق يتضح مغالاة بعض الكتابات والأراء التي تناولت شخصية الأعرابي بنمطية واجتزاء وحملتها مختلف الصفات ، وكان مسندها التأويل الخاطىء للآيات القرآنية . فما سبق ذكره لا يحمل خطابا للأعراب كجنس بشري بل أشار القران في خطابه عنهم بعبارة( من الأعراب) حسما لكل تأول أو تقول على الله تعالى "
خلاصة الخلاصة
فليحذر كل امريء أن يشبه الأعراب في غلظة القلوب وجلافة الطبع وعدم العلم بحدود ما أنزل الله على رسوله ، لأن هذا الصنف من البشر جميعا منبوذ لخطورته المجتمعية .