الأحد 15 يونيو 2025 03:27 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د. مندور عبد السلام عبد الله يكتب : كيف ننقذ هيبة المعلم؟

       د. مندور عبد السلام عبد الله
د. مندور عبد السلام عبد الله

في فصل دراسي بقرية نائية، يقف معلم يتشبث بطباشيره كسلاح أخير، محاولاً شرح درس وسط صياح الطلاب وتهديدات أولياء الأمور عبر الهاتف. صورة لم تعد استثناء، بل واقع يومي يحكي قصة هيبة مسلوبة. في المنيا، اعتدى ولي أمر على معلمة لأنها أنذرت ابنه بسبب غيابه. في الإسكندرية، وقف طالب إعدادي يهدد معلمته بالضرب أمام زملائه. تقارير نقابة المعلمين صادمة: 62% من المعلمين واجهوا إهانات لفظية، و23% تلقوا تهديدات بالعنف في 2023. طالب في القاهرة قال لمعلمه: "أنا أدفع مصاريف، فأنت خادم عندي!" هذه ليست مجرد حوادث، بل جرس إنذار يصرخ: المعلم يسقط، ومعه تسقط أحلام أمة.
ما الذي حول المعلم، الذي كان يوماً "رسول العلم"، إلى هدف للإهانة؟ لا قوانين تحميه، فالاعتداء عليه لا يواجه بردع جدي. النقابة، التي يفترض أنها درعه، غارقة في صراعات داخلية، تاركة المعلمين عُزلًا. رواتبهم لا تكفي للحياة، فيلجأ 74% منهم للدروس الخصوصية، فيشعر الطالب أنه "اشترى" معلمه، فينهار الاحترام. وفوق كل ذلك، أعمال درامية تصور المعلم كشخصية ساذجة مضحكة، تهدم صورته كقدوة في أعين المجتمع. النتيجة؟ فصل دراسي تحول إلى ساحة صراع، وسبورة تلطخت بدموع الكرامة.
لكن، هناك من أدركوا قيمة المعلم وغيّروا المعادلة. في فنلندا، جعلت الدولة التعليم مهنة تتفوق على الطب جاذبية: رواتب تصل إلى 5 آلاف يورو شهرياً، نصاب حصص لا يتجاوز 18 أسبوعياً، وقوانين تجرم إهانة المعلم مع دعم نفسي وقانوني في المدارس. سنغافورة لم تكتفِ بتحسين الرواتب بنسبة 30% عام 2022، بل جعلت نقاباتها شريكاً إستراتيجياً، تصيغ المناهج وتدير صناديق دعم مالية وصحية للمعلمين. هذه ليست أحلاماً، بل نماذج أثبتت أن استثماراً في المعلم يصنع أمماً.
مصر، التي كانت يوماً منارة العلم، تقف اليوم عند مفترق طرق. الحلول ليست مستحيلة. قانون "حماية صانع الأجيال" يمكن أن يجرم الاعتداء على المعلم، مع محاكم недоخلة خاصة كما في الهند. تخصيص 30% من ميزانية التعليم لزيادة رواتب المعلمين 200%، مع ربط الزيادات بالأداء، كما فعلت البرازيل. تحويل النقابة إلى هيئة مستقلة عبر انتخابات شفافة، تشارك في وضع المناهج وتدافع عن المعلمين. إنتاج أعمال درامية تبرز بطولات المعلمين، كقصة معلم صعيدي علم أطفال قريته تحت الأشجار لعقود، بدلاً من تصويرهم ككاريكاتير. ميثاق شرف إعلامي يمنع تشويه صورة المعلم ويعيد له مكانته كمربٍ حكيم.
المعلم ليس مشكلة التعليم، بل حله المغيب. عندما يسقط، تسقط معه أحلام أجيال. التجارب العالمية تثبت أن جنيهاً يُستثمر في المعلم ينتج ألف جنيه في مستقبل الوطن. اللحظة حاسمة: إما أن نرفع من يقود سفينة المستقبل، أو نغرق في بحر الجهل. هل نتحرك قبل أن يتحول الفصل إلى ساحة معركة نهائية، أم نترك السبورة ملطخة بالدموع إلى الأبد؟
** مدير مركز البحوث التربوية السابق

د. مندور عبد السلام عبد الله كيف ننقذ هيبة المعلم؟ الجارديان المصرية