ميلاد يونان يكتب : بين اللهب والصمت... مصر تحسبها بالعقل لا بالعويل


بينما أتابع عبر الشاشة ما يجري من تصعيد مقلق بين إيران وإسرائيل، هاتفني صديق عزيز على قلبي، يعيش خارج مصر... لكنه في الحقيقة لم يخرج منها يوما.
كلّمني بلهفة المحب، بصوت مشبع بالحكمة والقلق النبيل.
سألني: "طمني عليكم؟"
سؤال بسيط... لكن نبرته كانت كأنها تبث نشرة إخبارية من القلب مباشرة.
أجبته بثقة:
"لا تقلق يا صديقي، نحن بخير... السفينة تمضي في طريقها بأمان."
فجاء رده مدهشا:
"أنا مش قلقان... أنا واثق."
ابتسمت. أدركت أنه لم يسأل ليطمئن، بل بل يسأل لكي يطمئنني ويسكّن قلقي أنا.
قالها بصوت المحب الواعي:
"ثقتي في اللي ماسك الدفــة ثقة مالهاش حدود... دي مش بلد بتهتف، دي بلد بتجهّز وتشتغل في صمت. عندها قائد بيفكر بعقله، مش بشعاراته. راهن على الردع، مش على الندب!"
بصراحة !! أنا صدقته.
فهو – كغيره من المصريين في الخارج – قد يكون بعيدا بالجسد، لكنه ملتصق بالوطن قلبا وحبا.
يعرف أن مصر تجلس على ضفاف التاريخ، تشرب الشاي بالنعناع وتراقب المشهد بنصف ابتسامة... ونصف استعداد عسكري لا يُرى، لكنه حاضر… وصامت كالهرم.
مصر الفرعونية لا تهتف مع الهاتفين، ولا تشعل الحطب مع المشعلين.
وفي وقت تتطاير فيه التغريدات والصواريخ،
مصر تفتتح كوبري جديد، تطلق خط إنتاج، وتذيع مناورة عسكرية في نشرة منتصف الليل… رسالة واضحة لمن نسي: نحن هنا... وجاهزون.
مصر تفهم أن من يبني وطنا لا يهدمه في لحظة غضب،
وأن من يزرع المصانع لا يهرول خلف الدخان،
وأن الردع الحقيقي... لا يُعلن، بل يجهز في صمت.
وها هي الطائرات التي تصل أرضنا لا تحمل سلاحًا... بل آلات مصانع.
مصر تُسلّح السقف... وتبني الأرض.
تدع الصارخين ينهكون حبالهم الصوتية… ثم يسترخون في العيادات النفسية.
فالعقل المصري الفرعوني لا "يهيّص"، بل يحسبها بالورقة والقلم… ويترك غيره يشرب من كأس الندم.
وفي نهاية المكالمة، جملة قالها صديقي ... جملةً تستحق أن تطبع على ورق البردي أو تعلق في متحف الوطن:
"أنا مرتاح... لأن بلدي في يد قائد يفكر، لا ينفعل... ويجهّز الرد قبل أن يُطرح السؤال."
تحية لجيش لا يُفاجأ، ولوطن محروس بحكمة قائده.