د. كمال يونس يكتب : الفن الفقير والعرض المسرحي


نظرا للأحوال الاقتصادية المتردية للمسرح وتعثره في إنتاج عرو ض كبري، وبحث المهتمين عن حل للمعوقات المادية للإنتاج المسرحي بصفة عامة وخاصة للهواة ، أظن الأمل في تناول تلك الرسالة العلمية بعنوان الفن الفقير وتمثلاته في العرض المسرحي العراقي المعاصر، والتي نوقشت بكلية الفنون الجميلة قسم الفنون المسرحية لنيل رسالة الماجستير المقدمة من الباحثة زينب رحيم حسن ديكان بإشراف وعضوية أ.د. احمد محسن كامل الشريفي وقد تألفت لجنة المناقشة من:أ.د. أسماء شاكر نعمة – رئيساً،أ.د. عماد هادي الخفاجي – عضواً،أ.م.د. نورس محمد غازي – عضواً.
الفن الفقير ( الأرت بوفيرا)
مصطلح يعبر عن تيار تشكيلي معاصر يعتمد على الافكار والمضامين الذهنية والفلسفية يعمل على تجريد الاشياء والمواد الموجودة في الطبيعة للخروج على الواقعية، حيث يستخدم مواد بسيطة ومهملة ومواد مستهلكة يعمل على عادة تشكيلها تقنيا وتحويرها فيحولها الفنان الى واقع فن ملموس، مركزا على الاستدامة والابتكار والايهام والتفكيك والبساطة والصدق في التعبير عن الفقر والبيئة والوجود الإنساني، مستهدفا إلى العودة إلى الجذور متحدي المفاهيم التقليدية الجمالية والفنية لتحويل المواد الموجودة في الطبيعة إلى عمل فني ملموس.
إذ ارتبطت التيارات الفنية الحديثة بالفن الفقير عبر فلسفة الاقتصاد والبساطة والابتعاد عن التعقيدات والرجوع إلى الطبيعة عبر توظيف عناصر ومواد من البيئة ومنها الأرض الصخور النباتات، ولذا لجأت إلى فن التجميع ( الكولاج )بالفن الفقير عبر إعادة تشكيل الخامات المختلفة من الحياة اليومية وأحيانا تكون مستهلكة من قبل الانسان عبر دمج العناصر عبر طريقة التراكب أو مبادى الحذف والاضافة حيث يتم استعمال أشياء حقيقية في تكوين عوالم جمالية عبر توظيف اجزاء من شجرة أو بقايا مواد مهملة، بحيث تكون قادرة على أحداث التغير بين الصورة والمتلقي بقصد التأثير فنيا وفكريا.
-التمثلات( التطبيقات): مجموعة من الافكار والتصورات الذهنية التي تحول الموجودات من الوسط الى مادة خاصة ويحول الاشياء المختلفة الى صورة مماثلة امام الذهن ويرتبط بالإيهام.
الفن الفقير في تقنيات العرض المسرحي..لماذا؟
لما كان الفن الفقير يفتح آفاقا جديدة للإبداع والتعبير عبر استعمال المواد البسيطة وتقنيات غير تقليدية في التعبير الفني عبر استعمال مواد متاحة وغير مكلفة مثل الخشب، الورق، وحتى عناصر يومية كما يشجع الجمهور على المشاركة والتفاعل مع العرض فيمكن استعمال مواد بسيطة لإنشاء خلفيات وديكورات تبرز فكرة العمل الفني وفي تصميم الازياء يمكن استعمال أقمشة قديمة وأكياس بلاستيكية وغيرها من المواد المتاحة وفي الاضاءة يمكن استعمال مصادر اضاءة بديلة مثل الشموع او الاضواء الصغير لإنشاء جو مناسب دون الحاجة الى تكاليف باهظة
كان فن الفن الفقير أحد هذه الفنون التي أكدت على تقابل الواقع بسلبياته من جهة وارتباطه ماديا بفلسفته العرض المسرحي بكافة تقنياته ولهذا كانت سينوغرافيا العرض المسرحي الحديث تعمل على اعادة تشكيل الفضاء المسرحي من ناحية المظهر إذ تعتمد على استمرار الصور والأشكال والأحجام والألوان والضوء والصوت باعتبار السينوغرافيا متعددة الوظائف تهتم بمعمارية المكان والهندسة والديكور وإشراك المتلقي بالعرض المسرحي وأدخل على تقنيات العرض المسرحي العديد من الفنون التشكيلية التي ساهمت في تشكيل تقنيات العرض المسرحي ومن هذه الفنون أدخل فن الفن الفقير عبر استعمال المواد المهملة والمستهلكة والمواد الطبيعية والصناعية مثل الخشب والرمل والأشجار الكارتون الزجاج البلاستيك الاقمشة القديمة والشمع واضاءة النيون وغيرها من المواد التي يمكن تحويلها إلى أزياء مسرحية وديكورات و استعمال الإضاءة الطبيعية أو مصابيح بسيطة لتوفير جو مناسب للعرض بدلا من الإضاءة ذات التكاليف المعقدة والمكياج باستعمال المعاجين والاصباغ وعجينة اللواكس والمطاط الصناعي وسائل اللاتيكس التي تعكس الفكرة الأساسية للعرض المسرحي .
حيثيات وكيفية تطبيق الفن الفقير على تقنيات العرض المسرحي
-الحيثيات
1- التركيز على البساطة والصدق في التعبير عن الفقر والبيئة والوجود الانساني عبر استعماله للمواد غير التقليدية ومواد يومية مثل الخشب، الحجر، المعادن، القماش وهذه الخامات أنما هي اعتراض على الانظمة الاقتصادية، مع التركيز أيضا على موضوعات اجتماعية واقتصادية ومشاكل البيئة وصور الانسان المواد المستهلكة اعادة التدوير ولا يتم التأكيد على هذه الموضوعات عبر التأكيد على مشاركة المتلقي الايجابية وجعله مشاركا في العمل الفني.
2- يهدف إلى العودة للجذور متحدية المفاهيم التقليدية للجمال والفن، حيث الخردة من المعادن والبلاستيك والخشب وغيرها وهو وسيط مادي يحوله الفنان الى واقع فني ملموس بإيجاد حلول وصياغات فنية يتناغم فيها الشكل واللون والملمس .
3- خروجه عن الأماكن التقليدية وتوظيف الشكل المنظوري والفراغ المسرحي والدمى واستعمال المجسمات والرمل والورق، جعل من الفن الفقير أن يعتمد على الفضاءات المفتوحة بوصفها بيئة زمكانية مناسبة لطرح القضايا الاجتماعية والإنسانية بروح جديدة تضمن أحقية استعمال مواد من الطبيعة لكسر الحواجز بين الفن والطبيعة.
4-لسماته من التأكيد على الاستدامة والابتكار والإيهام والتفكيك فيكون الانسان هو محور الوجود المادي
5- اقترابه من التعبيرية التجريدية عبر تجريد وإعادة تشكيل الاشياء الواقعية بعد تحويرها تقنيا وبذلك تتحول إلى اللامعقول بما يوثق الزمان والمكان ومحاكاة للفعل .
6- اقترابه من الفن البصري لاستعماله عناصر هندسية مجردة تشكل فضاء بصري يتسم بالحركة جاعلا من اللون والضوء والفراغ والتباين اللوني أساسا لتكوين فلسفته الجمالية.
7- اعتماده على وسائط علمية وتكنولوجية لإخراج الاعمال الفنية بدافع الرغبة في ادخال التقنيات والتداخل بين الفنون وتطور العلم .
8- محاولات الفن المفاهيمي الخروج عن التقليد عبر توظيف عناصر تعاكس الفن التشكيلي بأسلوب حديث ولعل فن التصوير الفوتوغرافي والفيديو والتركيب والصوت وكذلك فن الجسد هي فنون سمعية بصرية تعكس واقع الانسان العادي .
9- ارتباطه بالتيارات الفنية الحديثة بعبر فلسفة الاقتصاد والبساطة والابتعاد عن التعقيدات والرجوع إلى الطبيعة عبر توظيف عناصر ومواد من البيئة ومنها الأرض الصخور النباتات
كيفية التطبيق
1- (إعادة تشكيل الخامات المختلفة) تمكن الفن الفقير عبر دمج العناصر عبر طريقة التراكب أو مبادى الحذف والاضافة ،حيث يتم استعمال أشياء حقيقية في تكوين عوالم جمالية عبر توظيف اجزاء من شجرة أو بقايا مواد مهملة، وتوظيف خامات من الحياة اليومية وأحيانا تكون مستهلكة من قبل الانسان بحيث تكون قادرة على أحداث التغير بين الصورة والمتلقي بقصد التأثير فنيا وفكريا.
2- تصميم( الديكور المسرحي ) الكثير من الخامات الموجودة في الواقع ومنها القماش، البلاستيك وغيرها من الخامات التي توحي بواقعية المكان وتحويل المواد الثابتة الى كتل متحركة بروح الطبيعة، إن استعمال الخامات القديمة القائمة على فلسفة البساطة في التكوين من أهم مميزات تصميم الديكور في العرض المسرحي العربي
3- (الزي المسرحي ) ارتبط بفلسفة الفن الفقير بفكرة الزائل وامكانية عكس تعقيدات الحياة البشرية ، وقد انعكس فنيا على تصميم الزي عبر استعمال خامات والمواد غير التقليدية لتتخذ منحى ابداعي فني ومنحى تعبيري عن موضوعات العنف والقمع.
4- (ألوان الإضاءة المسرحية ) ماهي إلا تعبير درامي يشوبه الكثير من المدركات الحسية والجمالية وهذه الألوان تحكمها خطوط وكيفية سقوطها على الكتل وانعكاسها جماليا على المتلقي.
5- (المكياج المسرحي )عبر تنوع المواد والخامات المستخدمة كالأصباغ والمساحيق ومادة السيليكون وعجينة الواكس وسائل اللاتيكس في عمل رؤية ثلاثية الأبعاد في تقنية الماكياج البلاستيكي.
6-(الموسيقى ) مستوحاة من الواقع والطبيعة وهي فلسفة توحي بالشعور بالعودة إلى الماضي لاستدراك المفاهيم جمالية حديثة ظهرت على شكل فلسفات بعد الحرب العالمية الثانية تؤكد تلاقي جميع الفنون السمعية والبصرية.
7- (المؤثرات الصوتية ) يمكنها خلق بيئة طبيعية واقعية باستعمال الأصوات الحيوانية والطيور والأصوات الموجودة في الطبيعة أو الأصوات الصناعية بواسطة الاجهزة وهي تعكس الوعي والإدراك الحسي للصورة والمتلقي في وقت واحد .
تمثلات رواد الفن الفقير في المسرح العالمي
1- غروتوفسكي (1933 ـ 1999) : اعتمد على التجريد في مسرحه فكان الفن الفقير حاضرا عبر استخدامه أكواما من الخردة المعدنية والملابس البالية من أجل خلق بيئة واقعية تعبر عن الأحداث الدرامية والتعبير عن الواقع الاجتماعي والسياسي والاقتصادي .
2- بيتر بروك 1925:اعتمد على المكان غير المكتمل والمهمل والخالي لكي يتخذه مكان لعرضه المسرحي، فاعتمد فضاءات متنوعة ،ووظف أشياء ومواد من الطبيعة ومنها الرمال والحصى والنفايات والسجاجيد، وألوانا دافئة وفاتحة وغيرها فتحولت هذه الخامات في مسرحة إلى عناصر دلالة تعبر عن هدفه في صنع لغة عالمية المسرح تتجاوز حدود والثقافات المحلية.
3- انطوان ارتو(1896ـ 1948): نبذ خشبة المسرح ودعا إلى فضاء مسرحي جديد بلا حواجز ليعيد الاتصال بين المتلقي والعرض، ووظف في مسرحة شخصيات هيروغليفية وأزياء شعائرية ومانيكانات طولها عشر أمتار واقنعة ضخمة وأشياء مجهولة الشكل، ثيمات برزت الموت والدمار والعنف والتشيؤ الإنسان بعمله كفلسفة عن الواقع والحياة في أعمال كانتور كانت واضحة في تهميش الأماكن التقليدية للفضاءات.
4- بينا باوش 1940: تميز مسرحه بالعودة إلى البيئة والمواد الطبيعية ومواد الخام حيث كان مسرحها يعتمد على الفن الفقير عبر توظيف جبال من الزهور جدران نباتية طين اوراق الشجر اليابس وغيرها اذ اعتمدت على مواد متوفرة وسهلة وبسيطة.
5- شومان1934: اعتمد العرض المسرحي عنده على مواد بسيطة ومهملة يتم جمعها من النفايات من أجل خلق مسرح يثير الدهشة وقدم عروضه في فضاءات متنوعة ومنها الشارع والمصنع والكنيسة كما وظف الدمى والآلات الموسيقية وجمعت فرقته شخوصها وملحقاتها من مواد موجودة ملابس قديمة وجرائد ونفايات وخشب وطين .
6- فيليب جانتي 1938: كانت الفلسفة الفنية والجمالية للفن الفقير حاضرة في عروضه، فقد عمد إلى توظيف عوالم متعددة مثل عالم بحر أو يابسة أو مدينة ،كما استعمل خامة الورق في صنع اشكال متعددة منها أكياس وصناديق جسد ووجوه وغيرها ،إذ يعمد على دمج الواقع بالخيال ،وجمع ما بين الرقص والأداء الايمائي واللعب بالدمى وبالظل والضوء.
7- بيتر شتاين1927 : قدم المخرج بيتر شتاين عوالم متعددة تغاير الهيكل الأساس للمسرح المألوف في طريقة طرحها فأسلوبه الإخراجي يعتمد اقتحام عالم العرض وكسر التقاليد المألوفة لأبعاد المكان من أجل قراءة متحفزة لمختلف التحولات المشهدية إذ قدم عرض مسرحية (كما تهواه ) في استيديو سينمائي ضخم في ضواحي برلين قدم الجزء الأول منها في قاعة ضيقة تحيط بها خشبات المسرح من كل جانب إذ يقف المشاهدون في الوسط ليجدوا طريقهم في ممر ليدخلوا واحد بعد الأخر ولقد سمحت له تلك المغايرة في تحريك الجمهور وحصوله على تابعات لاماكن مختلفة ستوديو كبير جدا تحول إلى بيئة غابات زرعت فيه أشجار حقيقية، ذرة حقيقية، بركة وانشطة ريفية من كل نوع احاطت بالمشاهدين وفي الجانب الأسفل منهم وفي وسطهم وخلفهم كان نتاج استفزازي للذائقة البصري.
8- أريان مونشكين1940: استعملت الارتجالات والكوميديا دي لارتي، وتقنيات المسرح الشرقي والسيرك في عملها مع الممثلين، إذ امتازت عروضها بانها مليئة بالحركات الأكروباتية ،وهي مهتمة بالجماليات والموسيقى الاسيوية وقد كانت الكلمات والصراخ المستعمل في عروضها يمتاز بأساسه الموسيقي ولم تعتمد على النصوص والأداء التمثيلي بل أعمالها كانت عبارة عن تراجيديا راقصة ، أن اقتراب مسرح الشمس التي أسستها من الممارسة الاجتماعية جعل من التطبيق العملي والنظري لمفهوم التجريب في كسر حدة الارتياب بين الادراك المسرحي وقابلية المتلقي على تصور أحادي الجانب لمفهوم كسر حدة التوقع وهنا كانت اريان على مسافة واحدة من أحداث الأصالة وأحيانا التقلد في طرح الجانب الفني والجمالي للعنصر التقني بأسلوب يضمن احقية مفهوم الغرائبية في تشكل المنظر المسرحي ولا سيما توظيف المواد والخامات الموجودة في الطبيعة ومحاكاتها بصريا.
9- روبرت ولسن 1941: اعتمد ويلسون في مسرحة على استعمال الشكل المنظوري والفراغ المسرحي عبر استعماله التقني لكل عناصر السينوغرافيا والتكنولوجيا الحديثة معتمدا على نوعية خاصة من المهارات في تصوير عروضه وصياغة شكلها البنائي فالأماكن التي يعمل فيها (ويلسون) تكون أماكن فسيحة وواسعة لكنها مقسمة إلى أجزاء صغيرة تتم فيها المشاهد مما يوفر له افاقا رحبه تمكنه من الحركة بحرية مثلا أرض خيالية مفتوحة ذات أفاق عريضة تحيط بها السماء بنجومها المتناثرة وهناك أبنية ومنشئات ذات طابع معماري جميل مستخدما فيها تأثيرات الإضاءة واللوحات الفاتنة التي نشبه اللوحات الزيتية، كما ركز على الاضاءة والتصميم المسرحي البسيط فاستخدم المجسمات المحشوة بالقش وحقق من خلالها شهرة كبيرة لروعتها وقدرتها في خلق عالم من الروى السحرية الجميلة فقد استخدم في مسرحية (الموت والدمار لديترويت) ثمانين كشافا ضوئيا ووضعها في تجاويف على خشبة المسرح تسلط اضوائها الباهرة إلى اعلى صانعة حائطا من الأضواء على خلفية المسرح كما استخدم ستائر خلفية مرسوم عليها صور زيتية لمناظر طبيعية .
10-جوزيف شاينا1922: يحاول استعمال العرض المسرحي كوسيلة للتعبير عن رؤيته الفنية التشكيلية البلاستيكية فهو يقوم بتكييف تصميماته وفق رؤى تفسيرية فكرية جمالية عن العالم ويتمثل العرض المسرحي لديه كلقاء حميم ما بين الفاعلين من مصممين وممثلين ومخرج والمخرج هنا هو الصانع المبدع بوصفه مؤلف العرض المسرحي الحقيقي وفي عصر التصورات المتنوعة والمتباينة في الفن يصبح المخرج انسان الرؤى الصانع وفي بولندا هو السينوغراف الفنان المصور فالفن المسرحي هو التقليل المسافة التي تبعد ما بين وعينا بالمستقبل وجهلنا به فالمعايير تتشكل وتتغير لاحتواء العالم وتغيراته الجوهرية وتخضع للمقاييس والمعايير الجمالية.
11- كاثرين براك1958: اعتمدت براك على الخامة الواحدة في تصميم سينوغرافيا العرض المسرحي اي انها لم تجانس بين الخامات لتكون تصميم معين بل ذهب إلى الخامة الواحدة المتمثلة ب(قصاصات ورق، شرائط، اراجيح، رغوة ضباب، اكاليل ذهبية، بالونات، اسفنج وغيرها ) من المواد وتقول أن تصميم المسرح لا يجب أن يكون متعلقا ببناء العمارة ولكن للفكرة أيضا أن تشغل مساحة،تجلت أفكار (كاترين براك) في صياغتها السينوغرافيه في عدد من الاعمال المسرحية التي استخدمت لكل عرض مسرحي خامة ضمن تصميم معين تراه يصب في بناء العرض ويترجم فكرته بتفاعل الممثل مع تلك التصميمات عبر حركته داخل فضاء العرض المسرحي فأنها نرى ان الافكار يجب اختزالها إلى فكرة واحدة مقنعة.
12-تاديوش كانتور (1915ـ 1990): تميزت عروضه بالغرائبية ذات التركيب الهندسي ،إذ أعد الغرائبية وهي نتاج عروضه "المكتظة بالشخوص الغرائبية مثلا هنالك رجل نمت لوحة خشبية في ظهره وأخر يملك أربعة أرجل يستعرض أمام المتفرجين ....وهناك إنسان برأسين يحاول أن يوفق بين أفعاله النابعة من وعيين ومضامين لردود الفعل والقرارات أنه يريد أن يلخص غير الممكن والمخبوء في طبقات السفلى من اللاوعي والوجود البشري
وقد يكون خصائص الفن التشكيلي حاضرة في تشكيل الفضاء البصري عند كانتور بوصفه رساما تشكيليا بارعا في مجاله وفد تكون تسمية المسرح الموت فلسفة خاصة بمسرح كانتور وهذا التقابل الفني جعل من مسرحة انعكاس لفلسفة مهمة وهي التناقض ما جعل الحياة والموت في زمان ومكان واحد يؤجج من الصراع الدراماتيكي عند الفرد فأعماله المسرحية ماهي إلا انعكاس لفلسفته بالحياة ولهذا أسهم مسرحه في بلورة سياسات العالم المادي الواقعي تجاه الفكر الإنساني بما يحمله من صراعات دموية عن الألم المستبدة "يعمل السينوغرافيا بجدية مثل الفن التشكيلي كعمل إبداعي مركزي حتى إذا كان هذا العمل الإبداعي لا يتعدى السينوغرافيا،برزت ثيمات الموت والدمار والعنف وتشيؤ الإنسان في أعماله التي اعتمدت التشكيل المرئي والمايم بصورة مكثفة فهو يعمد إلى تهشيم الامكنة التقليدية للعرض المسرحي ويرفض الخضوع لنمطية المسرح بتصميمها البنائي فهو يتعامل معها على إنها فضاء لوحة تشكيلية تخضع لكامل سلطته اذ يعمد الى تصميم السينوغرافيا كجزء حيوي داخل بنية النص المسرحي/العرض أو كمفجر قوي لسيل الأحداث الدرامية أنه يؤثث فضائه المسرحي من مخلفات والقطع المهملة ليصنع لوحة تشكيلية متحركة على الخشبة بدلالات وشيفرات تحيلنا الى الوهم البعيد عن الواقع وبالوقت نفسه منطلقا منه.
تمثلات رواد الفن الفقير في المسرح العربي
-عبد القادر فراح(1926 _ 2005): اظهرت تجربته عوالم متعددة عن طريق اختياره لفضاءات مغايرة للخشبة المألوفة مما يفسح المجال لتصوير عوالم متعددة تساير عالم الأرض الواحد مثلما حصل في عرض مسرحيته(صدى الصحراء)التي قدمها في ساحة خارجية لينبش بوساطتها عوالم الماضي ويجسدها في عالم اليوم فهناك طقوس للكهنة وهناك تصوير لعوالم الألهة وعوالم أخرى تعمل على مدلولات مختلفة منها: عالم الموسيقى المتنوعة والرقصات بلوحاته المتعددة ومشاعل من النار وضعت في كل مكان لتصور خيال الظل الممثلين وهو يتراقصون والرمل بمدلولاته المختلفة وصور تعرض في الخلفية وإضاءات متقطعة ومتذبذبة من أشعة الليزر وحركات استعراضية للممثلين بالنار تساعدها مشاهد المعارك القديمة التي تعرض على الأقمشة الخلفية بالداتا شو ومستويات مختلفة غطت بأقمشة بيضاء وسعف نخيل ودخان متصاعد لقد كان الجراح يميل إلى الفضاءات المفتوحة لتصوير عوالمه الفنية مثلها مثل مسرحية (سيدرا) التي اختار لها أن تكون داخل بركة من الماء أمام منزل حقيقي.
-سكينة محمد علي (1933 _ 2018):تميزت تصميمات سكينة بما يلي لا تكلف الجهة المنتجة مبالغ طائلة بل كانت تستعمل الخامات القديمة لتصنع منها أعمالا رائعة فكان لديها مهارة التشويق التي يفتقدها معظم مصممي الديكور الأن فكانت تدرب العمال على كيفية تشوين الديكور دون أن تأخذ حيزا تقيم اعاقة داخل الكواليس كما لم تكن تصمم ديكورا يعيق حركة الممثل على المسرح أبدا ولم تستعمل كتل ضخمة في الديكور فكانت تعمد البساطة في التكوين وكانت تهتم بالألوان فلا تسرق عين المتفرج من الممثل ولم تستعمل برتكبلات عالية فكانت حدودها مستويات العشرين والأربعين لدرجة أنها مرة ألفت مستويات لتعطي اتساعا في مساحة عمق المسرح كما كانت ديكوراتها كلها مجسمة ولم تلجأ إلى الديكورات المرسومة أبدا فكانت ديكوراتها طبيعية جدا،لجأت في تصميماتها للملابس على تعددية الزي إذ يمكن للممثل أن يضيف أو يحذف جزء من زيه أو يضع شالاﹶ أو اكسسواراﹶ واضحاﹶ إذ يكسر حالة الثبات التي قد يوحي بها الزي الواحد غير المتغير.......فكانت تراعي انسجام الألوان بين الديكور والملابس وفضلت في الأعمال الدرامية الرزينة و عبرت عنها استعمال لونين فقط للديكور وهما الأبيض والأسود بينما تمنح ملابس الشخصيات الأساسية الألوان الزاهية وتعطي المجاميع أو الكومبارس الواناﹶ هادئة أو باهته لتبرز التباين بينهما وحتى لا يؤثر وجودهم كتله أكبر على الشخصيات الفردية و كانت تمنح لكل شخصية من الشخصيات لوناﹶ يميزها ويتفق مع طبيعة ملامح شخصيتها ويرتبط لون الزي بالشخصية حتى لو غيرت الزي في مشهد أخر فيكون من نفس مجموعة الألوان التي ينتمي إليها لون هذا الزي، لقد تنوعت تصميمات سكينة بين الرسم والتكوين(التجسيم) والنحت
-فاضل القزاز1936: من أكثر مصممي المنظر العراقيين في عدد أعماله، يبدأ عمله أولا بقراءة النص واستخلاص الفكرة والهدف الذي يطرحه المؤلف ويهتم كثيرا بطروحات المخرج وتأتي بعد ذلك مرحلة التخيل للشكل الذي يناسب العمل ويعبر عنه بنحو يوصل الفكرة بقوة ووضوح،
وأن أفضل النصوص التي تمنحه الحرية في الخيال وتحفز مخيلته بنحو أعمق هي النصوص التي لا يصف فيها المؤلف منظرا للأحداث وتكتفي بأثارة خيال المصمم عبر إشارة إلى المكان الذي تجري فيه الأحداث ويبدا في أعماله معتمدا القناعة التي تتولد لديه من قناعته شخصيا بالعمل وأفكاره التي سيقوم بمناقشتها مع المخرج.
كاظم عبد حيدر1932: فنان تشكيلي ومسرحي اهتم بتصميم المنظر المسرحي الذي كان يبدو فقيرا إذ "وضع للمنظر قيمته الفكرية فقد استخدم الرمز والتعبير والتجريد في التصاميم التي وضعها،
اهتم بتوظيف العناصر التراثية والفلكلورية بما ينسجم مع النص ،ففي مسرحية (الخان) قام بترميز الواقعية عن طريق استعمال رموز في الخان متعارف عليها بنحو عام كأكياس الحبوب المواد الغذائية وعلب الصفيح وحبال ،وزعت بنحو يوحي باكتظاظ البضائع فيه عن طريق توزيع الجنفاص الممتلئة للإيحاء بسقف الخان المرتفع، وكأن المواد ترتفع اليه مرتبة تراكميا بأكداس بعضها فوق بعضهما .
-نجم عبد حيدر 1954:في أعماله الواقعية تجاوز واستعمل الرمز كوسيلة لإيصال الفكرة ،وتميزت معظم مناظره بالضخامة والواقعية ،واستعمال الخطوط المائلة التي تعطي جوا رومانسيا كما في مسرحية (نجمة) التي تحكي عن فتاة تعمل في منزل أحد الأغنياء وتواجه ضغوطات تجبرها على الهرب وتلجأ إلى بيت رجل فقير أعمى وتبدأ الصراعات بين الطبقتين إذ استعمل المصمم معدات وادوات جلبها من المواد المستعملة وغطى ارضية خشبة المسرح الوطني بالرمل ولم يستعمل في هذا العمل أشكالا هندسية ذات خطوط قوية أو زوايا حادة أنما أراد أن يرينا عالما جميلا صنعه من تلك القطع المستعملة بخطوط رومانسية منحنية بعيدة عن الحدة ممتزجة بالرمال ليعبر عن رقة الفتاة وفيض المشاعر الانسانية التي تحملها وعن جانب الحب الرومانسي الذي يطرحه النص في منتصف الصراعات الطبقية واستطاع المصمم باستعماله قطع السكراب أن يطرح موضوعا مهما في أن المادة اهميتها وجماليتها يأتي من القيمة الفلسفية التي يمنحها إياها المصمم إذ يعطيها دورا على خشبة المسرح لا يقل عن دور أي عنصر من عناصر العرض المسرحي .