حسين السمنودى يكتب : إسرائيل في متاهة السقوط… فاحذروا الفتنة القادمة من بوابة الشعارات


ما يجري في هذه اللحظة من التاريخ، هو تجلٍّ واضح لمرحلة النهاية لكيان غاصب لم يعرف منذ نشأته سوى العدوان والدمار، ولم يكن له في هذه الأرض إلا منطق القوة والتزييف. فحين شنّت إسرائيل عدوانها الوحشي على غزة، ظنت أنها في نزهة عسكرية قصيرة، ستحقق خلالها أهدافها في أيام معدودة، وستنهي ملف المقاومة الفلسطينية بضربة واحدة. لكن النتيجة جاءت صادمة، بل مفجعة لها؛ فقد وجدت نفسها غارقة في مستنقع الصمود الفلسطيني، أمام شعب أعزل إلا من الإيمان والإرادة، ومقاومة تحولت إلى كابوس دائم على جنودها ومستوطنيها.
مرّت الشهور، والآلة العسكرية الإسرائيلية تدك البيوت والمساجد والمشافي، لكنها لم تستطع أن تتقدم شبراً نحو نصر حقيقي، ولا أن تُسكت صوت غزة المقاوم. بل على العكس، انكشف ظهر إسرائيل أمام العالم، وأُحرجت أمام حلفائها، وبدأت التساؤلات في الداخل الصهيوني: "متى نخرج؟ وكيف نعلن الانسحاب؟ وهل يُعقل أن نُهزم أمام قطاع صغير محاصر؟".
وحين فشل السلاح، بدأ الهروب السياسي عبر بوابة إيران. فافتعلت إسرائيل مسرحية صدام مع إيران لتوهم الداخل والخارج أنها ما زالت قادرة على السيطرة والردع، لكنها وقعت في فخ صنعته بيديها. فما ظنته ورقة ضغط تحول إلى ورطة حقيقية، وإذا بالمواجهة التي كانت مخططة لتكون إعلامية، تخرج عن السيطرة، وتفتح أبواب جبهات لم تكن في الحسبان. لم تجد إسرائيل نفسها فقط في أزمة أمنية، بل في مأزق استراتيجي شامل، وأصبحت كياناً مرتبكاً، يهرول من فشل إلى آخر، ويستجدي دعم واشنطن التي لم تعد قادرة على تقديم الحماية كما كانت تفعل سابقاً.
ومع تصاعد هذا التخبط، بات واضحاً أن إسرائيل في أسوأ حالاتها منذ نشأتها. فهي لم تنتصر في غزة، ولم تُرهِب إيران، ولم تحظَ بالدعم الدولي المأمول. فقدت صورتها الردعية، وبدأت تتكسر هيبتها أمام شعوب العالم، بل وأمام مواطنيها أنفسهم. وفي لحظة كهذه، لا يتصرف العدو بعقل، بل ينفلت، ويتجه نحو المزيد من الفوضى. وهنا يكمن الخطر الأكبر على الوطن العربي.
فالكيان الصهيوني حين يتيقن من فشله، لا يعلن استسلامه، بل يفتش عن جبهات بديلة يبعثر فيها الفوضى، ويفتح أبواب الفتن في أوطاننا بأدوات خبيثة، لا تبدأ بالدبابات بل تبدأ بالشعارات. فترى القوافل والشخصيات والمنظمات تندس تحت ستار “الدعم لفلسطين” أو “العبور إلى غزة”، ولكنها في الحقيقة مشاريع فوضى مرتبة بعناية.
ومن هنا نلفت النظر إلى ما يحدث الآن على حدود مصر، من محاولات دخول قوافل من تونس والجزائر وغيرها، بحجة كاذبة مفادها أنها تسعى إلى كسر الحصار عن غزة. لكن الحقيقة المخيفة أن هذه القوافل هي محاولة لاختراق الأمن المصري، والسيادة المصرية، بل وتهيئة مشهد جديد يعيد سيناريو الفوضى باسم “النصرة”. فهم لا يريدون دخول غزة، لأن الاحتلال يمنعهم، بل هدفهم الحقيقي هو التمركز داخل مصر، وبث رسائل مشوهة، واستغلال مشاعر الناس، وإعادة فتح ملفات الفوضى كما فعل الإخوان سابقاً.
هؤلاء يختارون طريق مصر عمداً، لأنهم يعرفون أن مصر هي قلب الأمة، وأنها إذا وقفت انهار غيرها، وإذا اهتزت اهتزت كل العواصم. يخططون للدخول بشعارات، وبكاء، ولافتات، لكنها في حقيقتها ليست إلا أدوات اختراق، وأسلحة غير تقليدية، تشعل نار الفتنة في العقول والقلوب، وتزرع الشك بين المواطن ومؤسساته، وتبكي للعالم صورة مغايرة عن الواقع، حتى تتحول القضية الفلسطينية من نضال مشرف إلى وسيلة لابتزاز الدول وزعزعة الاستقرار.
لكن مصر ليست كأي دولة، وشعبها ليس كأي شعب. فالمصري يعلم جيداً أن النوايا الطيبة قد تكون أحياناً غطاءً لنوايا خبيثة، وأن بعض القوافل هي مجرد أحصنة طروادة، تأتي بشعار وطني لكن قلبها ينبض بالفوضى. والشعب المصري الذي أفشل كل مؤامرات الماضي، من 2011 حتى الآن، لن يسمح أبداً أن يُعاد السيناريو القديم، ولن يترك بوابة مصر مفتوحة لأعداء متخفين تحت لافتة "التضامن".
علينا جميعاً أن نكون في حالة استنفار وطني دائم، لا نغلق فيه قلوبنا عن التضامن، لكن لا نفتح فيه حدودنا لكل من يزعم النصرة. فالنصرة الحقيقية لغزة تكون بالدعم الحكيم، والتحرك السياسي المدروس، والوعي الكامل بمخططات العدو، لا بفتح الأبواب لمن هب ودب، خاصة في لحظة تاريخية تتخبط فيها إسرائيل، وقد تلجأ فيها لكل الأساليب القذرة لتنجو من الغرق.
على العرب أن يصحوا، وأن يفهموا أن إسرائيل حين تُهزم، فإنها لا تستسلم، بل تتحول إلى ثعبان يغير جلده، ويزحف بين الشعوب لينشر السم. لا تحارب من أجل أرض كما يدّعون، بل من أجل بقاء كيان غاصب على هذه الأرض. لذلك على كل دولة، وعلى رأسها مصر، أن تكون سداً منيعاً، لا يُخترق بشعارات ولا يُستدرج بالعواطف.
الشعب المصري، بقيادته وجيشه، هو حائط الصد الأول في هذه المعركة، وهو درع الأمة العربية ضد الانهيار. فلا تسمحوا لأحد أن يستغل تضحياتكم، ولا تسمحوا لعدو خبيث أن يعيد إنتاج مشهد الخراب من بوابة فلسطين. كونوا على وعي، كونوا على حذر، فالمؤامرة لا تزال تُنسج في الليل، لكنها تنكشف أمام عيون اليقظين.
حفظ الله مصر من كل سوء، ورد كيد أعدائها في نحورهم، وأبقى جيشها وقيادتها وشعبها درعاً وسيفاً للأمة، وكتب النصر لغزة وأهلها، والهلاك للعدو المحتل الذي بدأ يسقط… ولن يجد من ينقذه.