هيثم جويدة يكتب: الرد السيبراني والتخفي الشبحي..من سيقطع الاتصال المقبل؟


في عالم لا تنطفئ فيه نيران التهديدات تتصاعد أنواع جديدة من الأسلحة التي تهدد أمن العالم واستقراره، وتفرض واقعا لا يحتمل التهاون بل يستدعي وسائل ردع من نوع مختلف فالحروب لم تعد تبدأ من السماء فقط ولا تعلن دائما عبر أبواق السياسة، هناك جبهات تفتح دون طلقة واحدة ومعارك تدور بلا جندي ولا مدفع إنها حقبة الحروب الخفية، حيث لا تطلق القنابل بل تزرع الشيفرات ولا تسمع صفارات الإنذار بل تنطفئ الأنظمة فجأة ثم يسود الصمت وفي قلب هذه المعادلة الجديدة يبرز الرد السيبراني كسلاح ردع قد يوازي وربما يتجاوز قوة السلاح النووي نفسه فبينما تستعرض القوى الكبرى عضلاتها النووية وتحدث ترساناتها ظهر نوع جديد من التهديدات لم يكن ضمن حسابات جيوش الحرب الباردة تهديد لا يرى بالعين المجردة لكنه قادر على شل مؤسسات بل دول بأكملها خلال لحظات تعطيل محطات طاقة اختراق أقمار صناعية شلل في شبكات القيادة العسكرية وفوضى اقتصادية متعمدة كل ذلك قد يحدث بمجرد أمر برمجي واحد في هذا السياق قال الجنرال Paul Nakasone القائد السابق للقيادة السيبرانية الأمريكية ومدير وكالة الأمن القومي في تصريح نشره موقع وزارة الدفاع الأمريكية إن الردع في الفضاء السيبراني أصبح جزءا لا يتجزأ من العقيدة الاستراتيجية للولايات المتحدة القدرات السيبرانية تمنحنا أدوات غير تقليدية لفرض كلفة على أي خصم فعندما يعرف العدو أننا نملك القدرة على إحداث شلل شامل في منظومته فإنه يتردد في اتخاذ أي خطوة تصعيدية هذا النوع من الردع لا يهدف إلى تدمير الخصم بل إلى إرباكه وشل إرادته إنه لا يحتاج إلى ضوء أخضر من مجلس الأمن ولا يستلزم إعلان حرب يكفي أن تنقطع الكهرباء عن عاصمة أو يتوقف الاتصال بين وحدات عسكرية حتى يدرك العدو أنه بات مكشوفًا في مرمى هجوم غير معلن لكن ما يزيد من خطورة هذا السلاح أنه لا يترك بصمات واضحة فالهجوم السيبراني قد يتم من خلال شبكة ثالثة أو باسم جهة مجهولة ما يجعل الرد عليه مسألة حساسة قد تؤدي إلى تصعيد خارج نطاق السيطرة ومع تزايد الاعتماد العالمي على التكنولوجيا تصبح البنية الرقمية للدول مكشوفة أكثر من أي وقت مضى وهذا ما دفع الدول الكبرى إلى بناء جيوش رقمية ومراكز ردع إلكتروني تعمل على مدار الساعة وقد شهدنا أمثلة صادمة لهذا مثل هجوم SolarWinds الذي اخترق عشرات المؤسسات الأمريكية الكبرى وهجوم الفدية على خطوط أنابيب الوقود Colonial Pipeline الذي شل جزءا من الساحل الشرقي للولايات المتحدة وهنا تصبح رسالة هذا المشهد واضحة الرد السيبراني لم يعد اختيارا بل ضرورة استراتيجية لأنه لا يقتل الأبرياء ولا يدمر المدن لكنه يضرب في العمق حيث لا يتوقع العدو يمنحه إنذارا صامتا بأن زمن الانفجارات قد يستبدل بزمن الانهيارات الصامتة وهذا ما حدث عندما استخدمت أمريكا مزيجا من الاختراق السيبراني والتخفي الجوي مستعينة بطائرات شبحية قادرة على اختراق أعقد أنظمة الرادار لضرب إيران دون أن ترصد أو تعترض، ولعل التوتر السيبراني الذي سبق الضربات العسكرية بين الولايات المتحدة وإيران، أو رافقها، يكشف جانبا من ملامح هذا التحول، فقبل الصاروخ قد تأتي الشيفرة وقبل القصف قد يقع الاختراق، ففي حربٍ بلا وجوه من يملك المعرفة هو من يملك القدرة على قطع الاتصال.. وربما على كسر الإرادة قبل السلاح.