الإعلامية سماح السيد تكتب: شرفاء الوطن


في كل زمان ومكان، تبقى الأوطان قائمة على أكتاف الشرفاء، أولئك الذين لم تغرّهم المناصب، ولم تشترِ ضمائرهم الأموال، ولم تُخِفهم التهديدات، ولم تُخرسهم المؤامرات.
شرفاء الوطن يحملون الحق في وجه الفساد، من يصونون الكلمة، ويحمون الأمانة، ويؤمنون أن حب الوطن ليس شعارًا يُقال، بل فعلًا يُترجم في كل موقف وفي كل مهنة، في العلن كما في الخفاء.
شرفاء الوطن هم الفئة الصامتة غالبًا، الصلبة دائمًا، التي لا تبحث عن الأضواء، لكنها تنير الطريق للآخرين. لا يرفعون راية إلا راية الحق، ولا يعرفون سوى طريق العدل، ولا يعملون إلا بما يُرضي ضمائرهم وربّهم.
في وقت تكاثرت فيه الوجوه المزوّرة، يبقون هم الأصل، وفي زمن علا فيه صوت الانتهازية، يعلو فيهم صوت الكرامة. لا يلهثون وراء مكسب، ولا يبيعون موقفًا. هم الثابتون على مبدأ أن الوطن أكبر من الجميع، وأن خيانته لا تُغتفر.
فلنكرّمهم لا بالشعارات، بل بحماية قيمهم، بدعم نُبلهم، بجعلهم قدوةً لا استثناء. لأن الأوطان تُبنى بالأوفياء، بالأنقياء، بالشرفاء.
لكن مقابل شرفاء الوطن هناك من انحلت ، ضمائرهم وتلوّنت وجوههم بألوان المصالح، أولئك الذين باعوا المبادئ في سوق الكسب غير المشروع، وتسلّقوا على أكتاف البسطاء، وجعلوا من الوطن وسيلة لا غاية.
هم أصحاب المصالح الضيقة، لا يرون الوطن إلا من خلال مكاسبهم، ولا يتحركون إلا حيث توجد منافعهم. يبدّلون ولاءاتهم كما يبدّلون أقنعتهم، حين يكون ذلك مربحًا، ويصمتون عن الحق حين يصطدم بمصالحهم.
المنحلون من كل قيمة، لا يعرفون سوى لغة التملق والصفقات الخفية، يلبسون ثياب الشرفاء نهارًا، ويمارسون كل ألوان الفساد في الظل. هم أخطر من الأعداء لأنهم يتقنون التزييف باسم الوطنية.
لكنهم، رغم ضجيجهم، زائلون. فلا يستمر زيف إلى الأبد، ولا يعلو صوت الباطل إن وُجد من يدافع عن الحق.
والمعادلة واضحة: الوطن لا يُصان إلا بشرفائه، ولا ينهار إلا بهؤلاء الفاسقين.
لذا، علينا أن نُميّز بين من يُضحّي لأجل الوطن، ومن يُضحّي بالوطن لأجل نفسه. فالفرق بينهما كبير ... بين وطن يُحترم، وآخر يُنهب.