الخميس 26 يونيو 2025 10:42 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د. عـــلاء الحمزاوي يكتب : ملامح من نظرية تشومسكي النحوية

أ.د. عـــلاء الحمزاوي
أ.د. عـــلاء الحمزاوي

مفكر أكاديمي سياسي أميركي من أبرز مثقفي العالم
(كأنه درس النحو العربي؛ فسئل فنفى!!)

ــ نتيجة اطلاعه على علوم متنوعة كعلم النفس واللسانيات القديمة والنظريات العقلية، بلوَّر تشومسكي نظريته اللغوية المسماة «النظرية التوليدية التحويلية» التي شكَّلت اتجاها لسانيا قائما بذاته، وملامح هذه النظرية تظهر في كتابه «البنى التركيبية» الذي صدر 1954، ووفقا للمدرسة السلوكية بريادة بلومفيلد فإن الطفل يكتسب اللغة بالتقليد والمحاكاة لما يسمعه من المحيطين به ولاسيما أبويه، فجاء تشومسكي فقـرَّر أن الطفل يكتسب اللغة بالفطرة اللغوية Linguistic instinct، ويسميها بالكفاية، وهي القدرة على إنتاج جمل لم يسمعها من قبل، وتزداد لغته وتزداد الجمل في داخله للتعبير عما يريد بشكل لم يرد على مسامعه، وتشومسكي في رؤيته هذه متأثر بالفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت الذي يرى أن الإنسان يتميز عن الحيوان بأن له عقلا، وأن أهم خصائص ذلك العقل إنتاج لغة مفهومة وفقا لقواعد كلية موجودة في بنية الكلام العميقة، وتُعـدّ تلك القواعد الأساس الذي تتفرع عنه اللغات الخاصة.
ــ والقواعد التحويلية التي تحوِّل البنية العميقة للغة إلى البنية السطحية عند تشومسكي تشمل ثلاثة مكونات: المكونات الفونولوجية وهي الصفات الصوتية للكلمات أو صياغة كلمات من الأصوات اللغوية، والمكونات النحوية وهي القواعد التي يصوغ عليها المتكلم عددا غير متناهٍ من الجمل المفيدة، والمكونات الدلالية وهي المعاني التي يريدها المتكلم من الجمل التي يسوقها للمتلقي، ومع أن الجمل قد تكون متشابهة في التركيب فإن لكل جملة معنى مستقلا.
ــ من أبرز المصطلحات عنده البنية العميقة، وهي التصور الذهني الذي يولِّد على أساسه المتكلمُ الجملَ التي يريدها، فكأن البنية العميقة هي الجملة المنتجة للجملة التحويلية، والبنية السطحية وهي الجمل التي يتكلم بها المتكلم وفقا لقواعد البنية العميقة، فمثلا جملة (يشرح المعلم الدرس بالطباشير يكتب بها على السبورة)؛ فهذه الجملة المركبة من جملتين تمثل البنية السطحية، وهي مكونة في عقل المتكلم من ثلاث جمل: (يشرح المعلم الدرس / يكتب المعلم بالطباشير / يكتب المعلم على السبورة)؛ هذه الجمل الثلاث تمثل البنية العميقة في ذهن المتكلم.
ــ وعناصر التحويل من البنية العميقة إلى البنية السطحية تتمثل في التحويل بالترتيب والتحويل بالزيادة والتحويل بالحذف والتحويل بالحركة الإعرابية والتحويل بالنبر والتنغيم والتحويل بالاستبدال، هذه العناصر تضيف معانيَ جديدة إلى الجملة الأصلية التي تمثل البنية العميقة، فمثلا إذا كانت البنية العميقة (تفـوُّقُ زيدٍ في الدراسة) فإنه يمكن أن تكون البنية السطحية لها: (تفوَّقَ زيدٌ في دراسته)، (قد تفوقَ زيدٌ في دراسته)، (في دراسته تفوقَ زيدٌ)، (لَزيدٌ متفوقٌ في دراسته)، (إنَّ زيدًا لمتفوقٌ في دراسته) وغير ذلك، ومع أن هذه الجمل تشترك في المعنى العام وهو (تفوُّق زيد في الدراسة) فإن كل جملة لها معنى آخر خاص بها، وتشومسكي هنا مسبوق باللغوي المبدع المتفرِّد عبدالقاهر الجرجاني الذي فـرَّق بين التراكيب تؤدي معنى عاما واحدا، فقال: "تقول: زيد منطلق، وزيد المنطلق، والمنطلق زيد، فيكون لك في كل واحد من هذه الأحوال غرض خاص وفائدة لا تكون في الباقي ... إذا قلت: (زيد منطلق) كان كلامك مع من لم يعلم أن انطلاقا كان لا من زيد ولا من عمرو، فأنت تفيده ذلك ابتداء، وإذا قلت: (زيد المنطلق) كان كلامك مع من عرف أن انطلاقا كان إما من زيد وإما من عمرو، فأنت تُعلِمه أنه كان من زيد دون غيره"، فهل درس تشومسكي التراث اللغوي العربي؟!
ــ وينبغي أن تتوافق الجملة في البنية السطحية مع قواعد اللغة وأن تؤدي معنى مقبولا مفهوما، فإذا وافقت الجملة قواعد اللغة ولم تــؤدِ معنى مقبولا مفهوما لا تعـدُّ جملة ولا تمثل بنية سطحية؛ فالجملة هي الكلام المفهوم الذي يحسن السكوت عليه؛ ولذا حكم تشومسكي بعدم صحة جملة مثل (كتب الهواءُ الدرسَ)؛ فهي جملة خاطئة دلاليا؛ لأن الفاعل فيها يجب أن تكون من سماته الكتابة، و(الهواء) ليس كذلك، وتشومسكي هنا متأثر أو مسبوق بالفكر النحوي العربي، فقد أشار إمام النحاة سيبويه إلى ذلك في قوله: "هذا باب الاستقامة من الكلام والإحالة، فمنه مستقيم حسَن، ومحال، ومستقيم كذِب، ومستقيم قبيح، وما هو محال كذِب، فأما المستقيم الحسن فقولك: أتيتك أمسِ وسآتيك غداً، وأما المحال فأن تنقض أول كلامك بآخره، فتقول: أتيتك غداً وسآتيك أمسِ، وأما المستقيم الكذب فقولك: حملت الجبل وشربتُ ماء البحر، وأما المستقيم القبيح فأن تضع اللفظ في غير موضعه، نحو قولك: قد زيداً رأيتُ وكي زيداً يأتيك، وأما المحال الكذب فأن تقول: سوف أشرب البحر أمسِ"، فكل هذه الجمل كلام عربي، لكن بعضها مخالف للقواعد النحوية، وبعضها مخالف للمعاني، وهذا يعني أن نحاتنا كانوا يربطون الصحة الدلالية بالصحة النحوية، ولا يجوز الفصل بينهما، فلا تُقبَل الجملة وفيها مخالفة نحوية أو مخالفة دلالية، وسجلت المصادر النحوية كلمات تقييمية لكلام العرب من حيث مدى صحته، فنجد عندهم كلمات مثل: (جيد) و(عربي جيد) و(قبيح) و(ضعيف) و(رديء) و(خبيث) و(كثير) و(أكثر العرب يقولون) و(هو قليل في كلام العرب)، و(هو قول بعض العرب).
ــ ثنائية اللغة عند تشومسكي تتمثل في مصطلحي الكفاية اللغوية والأداء الكلامي، ويقصد بالكفاية اللغوية قواعد اللغة والدلالات المعجمية، ويقصد بالأداء الكلامي السلوك اللغوي للمتكلم، وهذه الثنائية نجدها عند دي سوسير في مصطلحي اللغة والكلام، فاللغة يعني بها المفردات المعجمية والقواعد اللغوية، والكلام يعني به السلوك اللغوي للمتكلم، ونجدها عند البرجماتيين في مصطلحي الدلالة والتخاطب، فالدلالة يعنون بها المعاني المعجمية لكلمات الخطاب، والتخاطب يعنون به المعنى الذي يقصده منتج الخطاب، وهؤلاء المحدثون مسبوقون في هذه الثنائية بعلماء أصول الفقه الإسلامي، فالثنائية اللغوية عندهم متمثلة في مصطلحي الوضع والاستعمال، وهم يعنون بالوضع المعاني المعجمية لمفردات الخطاب، ويعنون بالاستعمال ما يقصده المتكلم من الخطاب، بل تفوَّق الأصوليون على المحدثين بمصطلح ثالث هو الحَمْل، ويقصدون به ما يفهمه المتلقي من قصد المتكلم في الخطاب.
ــ أبرز المصطلحات: النحو التوليدي Generative grammar، النحو التحويلي Transformational grammar، الكفاية اللغوية cometence، الأداء اللغوي performance، البنية العميقة deep structure، البنية السطحية surface structure، الجملة التوليدية Generative sentence، الجملة التحويلية Transformational sentence

أ.د. عـــلاء الحمزاوي ملامح من نظرية تشومسكي النحوية الجارديان المصرية