الأحد 29 يونيو 2025 10:10 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

شبراوى خاطر يكتب : قول مأثور أتأمله: ”الأشياء لا تتغير، بل نحن من يتغيّر”.

الكاتب الكبير شبراوى خاطر
الكاتب الكبير شبراوى خاطر

"مهما كانت حياتك قاسية تعايش معها , لا تلعنها أو تسُبّها .. فالأشياء لا تتغير بل نحن من يتغير". هذا قول مقتبس عن - هنري ديفد ثورو ١٨١٧ -١٨٦٢

كان كاتب مقالات وشاعراً وفيلسوفاً أميركياً. ورائداً في مجال الفلسفة المتعالية، تخرج "ثورو" من جامعة هارفارد في عام ١٨٣٣، مارس التدريس، ولكنه اهتم بالكتابة والشعر والفلسفة، كتب حوالي عشرون كتاباً وما زالت تُدَرّس في الجامعات وموجودة في المكتبات. وكما قال عنه المتأثر به الفيلسوف والمفكر المصري "سلامة موسى": بأن "ثورو" كان متمرداً على النظام منذ صغره، حارب لوقف عبودية الإفريقيون والأمريكان الأصليين (الهنود الحمر)، بالإضافة لمعارضته لحرب المكسيك ١٨٦٨ التي استولت خلالها أمريكا على ولايتي تكساس وكاليفورنيا. رفض "ثورو" دفع الضرائب للدولة التي لا تمثّل المبادئ الأخلاقية. فعوقب بالسجن، إلى أن دفعت عمته الضرائب المستحقة عليه.

عندما كان عمره ٢٦ عاماً، ترك مدينة كونكور وعاش في كشك صغير بناه بنفسه في الغابة ليقلّل من احتياجاته المادية حتى لا يتعامل مع الدولة ولا يرتبط بالمجتمع وأساليبه وقيمه، هذا الكشك الصغير أصبح متحف بسيط كما صُمّم أصلاً. حياته في الكشك كانت بسيطة وكان يؤجر نفسه للمزارعين لسد احتياجاته المادية القليلة.

بعد سنة في المعيشة في الغابة عاد للعمران بخبرة جيدة وهي تجربة الفقر الإرادي، وهي تجربة لا يستهان بها. فالتكاليف الاجتماعية الباهظة نستطيع أن نستغنى عنها. يقول ثورو عن تلك التجربة: "إن تلك الحياة البسيطة وإن لم تكن ممكنة لأغلب البشر، إلا أنها تعلّمنا كيف نستغني، بدلاً من كيف نقتني.
اهتم "ثورو" بتدريس الأطفال حتى يشبّوا على المبادئ الحسنة، وبذلك يُعدّ "ثورو" أول من نادى بالعصيان المدني السلمي كوسيلة للتغيير.

لقد توفي "ثورو" عام ١٨٦٢، مات منذ أكثر من مائة وستين عاماً، ولكن عاشت أفكاره حتى يومنا هذا، ولازالت اقواله منتشرة وكتبه على ارفف المكتبات، وأفكاره عن الاستغناء والمقاطعة والعصيان المدني، والاهتمام بالبيئة تهب رياحها من وقت لآخر على سطح الكرة الارضية.

فمنذ بضعة سنوات انتشرت افكار اسلوب الحياة البسيطة على يد مجموعات من الشباب حول العالم، مستلهمة أفكارها من افكار "ثورو" والتي وُجدَت تطبيقات لها في ثقافات الشرق الأقصى مثل مبادئ "الفينج شوي". وافكار التقليل من الأثاث، ومكافحة أنتشار الكراكيب من الأشياء والمقتنيات.

ومفهوم الحياة البسيطة هي من الممارسات الإرادية التطوعية المختلفة لتبسيط نمط حياةٍ المرء. على سبيل المثال، الحد من ممتلكات المرء، والتي يشار إليها بشكل عام ب"التقليلية"، أو زيادة الاكتفاء الذاتي. ومن الممكن ان تتمثل الحياة البسيطة بأفرادٍ راضيين بما لديهم وليس بما يريدون. وليس كل مؤيدي الحياة البسيطة من الزاهدين، على الرغم من أن الزهد يشجع الحياة البسيطة والامتناع عن اقتناء الكماليات بشكل عام. وتختلف الحياة البسيطة عن أولئك الذين يعيشون في فقرٍ قسريٍّ، لأنه اختيارٌ طوعي لنمط الحياة. ذلك كما حدث في تجربة ثورو في الكشك الذي بناه في الغابة.

وعن هذه التجربة وصفها "ثورو" قائلاً: ذهبتُ إلى الغابة لأني رغبتُ في أن أعيشَ حياةً مُتأنية، لأُواجه فقط الحقائقَ الأساسيةَ للحياة، وأرى إن كنتُ أستطيعُ تعلّمَ ما تُعلّمُني إياه، وألا أكتشفَ، عندما يحينُ أجلي، أنني لم أعش. لم أُرِد أن أعيشَ ما ليس حياةً، فالعيشُ عزيزٌ جدًا؛ ولم أُرِد أن أمارسَ الاستسلامَ إلا إذا كان ذلك ضروريًا للغاية. أردتُ أن أعيشَ بعمقٍ وأمتصَّ كلَّ جوهرِ الحياة، أن أعيشَ بثباتٍ وثباتٍ كإسبرطة، لأُدمِّرَ كلَّ ما ليس حياةً، لأقطعَ رقعةً واسعةً وأحلقَ عن كثب، لأدفعَ الحياةَ إلى الزاوية، وأُختزلَها إلى أدنى معانيها، وإذا ثبتَ أنها حقيرة، فلماذا إذًا أستوعبُ حقيرَها كاملًا وحقيقيًا، وأُعلنَ حقيرَها للعالم؛ أو إذا كانت ساميةً، لأُدركَها بالتجربة، وأكونَ قادرًا على تقديمِ سردٍ حقيقيٍّ لها في رحلتي القادمة.
بالفعل وعن تجربة ذاتية خاصة بي شخصياً، فإنني لم أجد السعادة في أشياء اقتنيها ولكني وجدتها في أشياء افعلها، وكما قال الشاعر الفلسطيني محمود درويش ١٩٤١-٢٠٠٨
في قصيدته "انتظر لتموت أكثَرَ" لِيَ حِكْمْةُ المحكوم بالإعدامِ:
لا أشياءَ أملكُها لتملكني.

شبراوى خاطر مقالات شبراوى خاطر قول مأثور أتأمله: ”الأشياء لا تتغير بل نحن من يتغيّر” الجارديان المصرية