الثلاثاء 1 يوليو 2025 01:03 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الدكتور عماد خماج المسرحي الليبي بكتب: #اللبس والالتباس في مفاهيم مسرح الشارع: فجوة بين الممارسين، المختصين، وعموم الناس.

الدكتور عماد خماج المسرحي الليبي
الدكتور عماد خماج المسرحي الليبي

يُعدّ مسرح الشارع أحد أكثر الأشكال الفنية حيوية وديناميكية، فهو يخرج من قاعات العرض المغلقة ليحتضن الفضاء العام، متفاعلًا بشكل مباشر مع نبض الشارع وهموم الناس. لكن على الرغم من انتشاره وتأثيره، يظل مفهوم مسرح الشارع غارقًا في بحر من اللبس والالتباس، خاصةً عندما ننظر إليه من زوايا مختلفة: زاوية الممارسين، زاوية المختصين، وزاوية عموم الناس. هذه الفجوة في الفهم تخلق تحديات حقيقية أمام تطور هذا الفن وتأثيره المأمول.
الممارسون: شغف وحرية بلا قيود أحيانًا
غالبًا ما ينطلق الممارسون (الفنانون، الممثلون، المخرجون) في مسرح الشارع من دافع الشغف والرغبة في التعبير الفني الحر والمباشر. بالنسبة لهم، قد يكون مسرح الشارع مساحة للارتجال والتجريب، أو منصة لطرح قضايا مجتمعية ملحة بشكل عفوي. هذه الحرية، وإن كانت أساسية لطبيعة مسرح الشارع، قد تؤدي أحيانًا إلى غياب التأطير النظري أو البحث المتعمق في ماهية هذا الفن وخصائصه الجوهرية. قد يخلط البعض بينه وبين الأداء العادي في الشارع أو التظاهرات ذات الطابع الفني، دون إدراك الفروق الدقيقة التي تميزه كفن مسرحي له أدواته وتقنياته الخاصة. قد يركزون على التأثير الآني والمباشر، متجاهلين أحيانًا أهمية البناء الدرامي، أو حتى التخطيط المسبق الذي يميز العمل المسرحي عن مجرد حدث عابر.
المختصون: تنظير وتأطير قد يغفل الواقع
أما المختصون (الباحثون الأكاديميون، النقاد، المنظرون)، فيميلون إلى تأطير مسرح الشارع ضمن نظريات ومفاهيم محددة، محاولين تحديد خصائصه الجمالية والوظيفية. يقدمون تعريفات دقيقة لأنواعه المختلفة (مسرح الشارع التفاعلي، المسرح الوثائقي في الشارع، مسرح الشارع السياسي، إلخ)، ويحللون علاقته بالجمهور والمكان. ورغم أهمية هذا التنظير في إثراء المعرفة وتعميق الفهم، إلا أنه قد يقع في فخ المبالغة في التنظير النخبوي الذي يبتعد أحيانًا عن واقع الممارسة الحية. قد يغفل المختصون عن التحديات العملية التي تواجه الممارسين في الشارع، أو عن التلقي الشعبي البسيط الذي لا يتقيد بالضرورة بالمصطلحات الأكاديمية المعقدة. هذا التباعد قد يجعل النظريات بعيدة عن التطبيق العملي، ويجعل الفجوة بين الأكاديمي والممارس أوسع.
عموم الناس: التلقي البسيط والمفهوم الغامض
بالنسبة لعموم الناس، قد يكون مسرح الشارع تجربة مفاجئة ومدهشة، أو مجرد حدث عابر لا يختلف كثيرًا عن فعاليات الشارع الأخرى. قد يرى البعض فيه مجرد استعراض أو ترفيه، وقد لا يدرك آخرون البعد الفني أو الاجتماعي الذي يحمله. المفهوم لدى الجمهور غالبًا ما يكون غير محدد، وقد يخلطون بينه وبين السيرك، أو عروض الفنون الشعبية، أو حتى التسول المقنع. يرجع هذا الالتباس جزئيًا إلى غياب التثقيف الفني الكافي، وجزئيًا إلى التنوع الكبير في أشكال مسرح الشارع نفسه، مما يصعب على المتلقي العادي وضع تعريف واضح له. يتلقى الجمهور ما يُقدم له بشكل عفوي، وقد لا يمتلك الأدوات النقدية لتحليل العمل أو فهم رسائله الأعمق، مما قد يحد من تأثير مسرح الشارع على الوعي العام.
جسر الهوة: نحو فهم مشترك
إن تجاوز هذا اللبس والالتباس يتطلب جهدًا مشتركًا من جميع الأطراف. على الممارسين، أن يسعوا إلى تعميق فهمهم النظري لمسرح الشارع، والاطلاع على التجارب العالمية، والاستفادة من النقد البناء. كما يجب عليهم الاهتمام بالجانب الجمالي والدرامي لضمان جودة العروض.
أما المختصون، فعليهم أن يخرجوا من أبراجهم العاجية وأن يتفاعلوا بشكل أكبر مع الممارسة الفعلية، مقدمين نظريات عملية قابلة للتطبيق، ومسهمين في ورش عمل ودورات تدريبية للممارسين. يجب أن يكون التنظير محفزًا للتطوير لا مجرد وصف لما هو قائم.
وعلى المؤسسات الثقافية والإعلامية دور حيوي في تثقيف عموم الناس حول مسرح الشارع، تعريفهم بخصائصه، وأهدافه، وأهميته كشكل فني واجتماعي. يمكن تحقيق ذلك من خلال الندوات، البرامج التلفزيونية، المقالات التثقيفية، وحتى ورش العمل المفتوحة للجمهور.
في الختام، إن مسرح الشارع فن حيوي يمتلك القدرة على إحداث تغيير في المجتمع، لكنه لن يحقق كامل إمكانياته ما لم يتم بناء فهم مشترك ومتجانس لمفاهيمه بين كل من يمارسه، يدرسه، أو يشاهده. فقط عندها، يمكن لمسرح الشارع أن ينطلق بفعالية أكبر، محققًا رسالته الفنية والاجتماعية في فضاءاتنا العامة.

135104007785.jpg
87e7b5edaff2.jpg
e7242bebd813.jpg
الدكتور عماد خماج المسرحي الليبي #اللبس والالتباس في مفاهيم مسرح الشارع: فجوة بين الممارسين المختصين وعموم الناس. الجارديان المصرية