الجمعة 4 يوليو 2025 05:35 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

شبراوى خاطر يكتب : لماذا تكسّل فرق العمل الجماعية؟

الكاتب الكبير شبراوى خاطر
الكاتب الكبير شبراوى خاطر

عن ظاهرة التكاسل أو التراخي الاجتماعي أتحدث...
في هذه المقالة أريد أن أشارككم كشف علمي ربما يندرج ضمن علم النفس الاجتماعي أو العلوم الإدارية.

والقصة تدور في عام ١٩١٣، درس المهندس الفرنسي ماكسيميليان رينجلمان أداء الخيول - ولا أعلم لماذا خطر على باله هذا الأمر - وخلص إلى أن قوة حصانين يسحبان عربة لا تعادل ضعف قوة حصان واحد. دُهش بهذه النتيجة، فوسّع نطاق بحثه ليشمل البشر. طلب ​​من عدة رجال سحب حبل، وقاس القوة التي يطبقها كل فرد. في المتوسط، إذا كان شخصان يسحبان حبلًا معًا، فإن كلًا منهما يبذل ٩٣ درجة فقط من قوته الفردية، وإذا كان ثلاثة يسحبون حبلًا معًا، فإن القوة ٨٥ درجة، وإذا كان ثمانية أشخاص، فإن القوة ٤٩ درجة فقط.
ما أثار انتباهي هنا هو مستوى النزعة لاستخدام العقل لدى الغرب منذ بداية بزوغ عصر النهضة وإعمال المنطق والعقل في كل ظواهر الحياة، وهذا أمر يطول شرحه ويحتاج إلى دراسة مستقلة.

فلقد قام هذا المهندس بالكشف على ظاهرة جديدة
يُطلق العلم علىها اسم "تأثير التراخي الاجتماعي". يحدث هذا عندما لا يكون الأداء الفردي واضحًا للعيان، بل يتداخل مع تأثير المجموعة. يحدث هذا بين المجدفين في سباقات التجديف الرياضية، ولكن لا ينطبق على سباقات التتابع في مسابقات ألعاب القوى، لأن المساهمات الفردية تكون واضحة هنا.

التراخي الاجتماعي سلوك عقلاني: حيث لماذا تُنفق كل طاقتك بينما يكفي نصفها - خاصةً عندما يمر هذا الاختصار البسيط لبذل الطاقة دون أن يُلاحظ؟ ببساطة، التكاسل أو التراخي الاجتماعي هو شكل من أشكال الغش، نتحمل جميعًا مسؤوليته حتى لو حدث دون وعي، تمامًا كما حدث مع خيول رينجلمان.

عندما يعمل الناس معًا، يتراجع الأداء الفردي. وهذا ليس مفاجئًا. لكن الجدير بالملاحظة هو أن مساهمتنا لا تتوقف تمامًا. فما الذي يمنعنا إذًا من إسعاد البعض وترك العمل الشاق للآخرين؟ إنها العواقب.

سيُلاحظ انعدام الأداء، ويجلب معه عقابًا شديدًا، كالاستبعاد من المجموعة أو التشهير. وكما يقول علماء التطور: لقد قادنا التطور إلى تطوير العديد من الحواس الدقيقة، بما في ذلك مقدار الكسل الذي يمكننا الاستفادة منه وكيفية تمييزه لدى الآخرين.

لا يقتصر التراخي الاجتماعي على الأداء البدني فحسب، بل نتراخى ذهنيًا أيضًا. على سبيل المثال، في الاجتماعات، كلما كبر حجم الفريق، ضعفت مشاركتنا الفردية. ومع ذلك، بمجرد مشاركة عدد معين من المشاركين، يستقر أداؤنا. لا يهم إن كانت المجموعة مكونة من ٢٠ أو ١٠٠ شخص، فقد تم تحقيق أقصى قدر من الجمود والتراخي.

يبقى سؤال واحد: من الذي ابتكر الفكرة المُبالغ في تقديرها بأن الفرق تحقق إنجازات أكبر من العمال الأفراد؟ ربما اليابانيون. قبل ثلاثين عامًا، أغرقوا الأسواق العالمية بمنتجاتهم. أمعن اقتصاديو الأعمال النظر في المعجزة الصناعية، ولاحظوا أن المصانع اليابانية كانت تُنظّم في فرق. تم تقليد هذا النموذج - بنجاح متفاوت. ما نجح في اليابان لم يُطبّق على الأمريكيين والأوروبيين - ربما لأن التراخي الاجتماعي نادر هناك.
في الغرب، تعمل الفرق بشكل أفضل فقط إذا كانت صغيرة ومكوّنة من أشخاص متنوعين ومتخصصين. وهذا منطقي، لأنه داخل هذه المجموعات، يمكن إرجاع الأداء الفردي إلى كل متخصص.

للتكاسل الاجتماعي آثارٌ مثيرةٌ للاهتمام. ففي المجموعات، نميل إلى التقاعس، ليس فقط فيما يتعلق بالمشاركة، بل أيضًا فيما يتعلق بالمساءلة. لا أحد يرغب في تحمّل مسؤولية أفعال المجموعة بأكملها السيئة أو قراراتها الخاطئة. ونستطيع أن نضرب الكثير من الأمثلة على هذه الظاهرة، مثل مساءلة أي مجلس إدارة أو فريق إدارة. على أخطائهم وعلى سوء نتائج قراراتهم، وكما يقول المثل: للنجاح ألف أب، والفشل طفل يتيم! هذا الطفل لا يجد من يتبنّاه أو من يدّعيه.. ويحاول الجميع التبرؤ منه، وينسبونه إلى غيرهم.. أما النجاح فله آباء متعددون، ومنتسبون أكثر، يزعمون أنهم شركاء في الفوز بحق أو بغير حق

نختبئ وراء قرارات الفريق. والمصطلح التقني لهذا هو تشتيت المسؤولية. وللسبب نفسه، تميل الفرق إلى تحمل مخاطر أكبر مما قد يتحمله أعضاؤها بمفردهم. يعتقد أعضاء المجموعة أنهم ليسوا الوحيدين الذين سيُلامون إذا ساءت الأمور.
هذه الظاهرة استفادت من العلم بها، المجتمعات التي قامت باكتشافها، والمجتمعات التي تعلمتها وطبقت مفهومها على محركات الإنتاج. ومنظومات الرياضة ومجالس إتخاذ القرارات.

وتتبدى هذه الظاهرة واضحة لدينا في بلادنا، وتعتبر سبب أصيل لبعض تخلفنا في مجال الإدارة في مختلف القطاعات.
بل البلاء الأعظم، لا يتمثل في تراخينا وتكاسلنا الجماعي، بل في تحويل كل ما هو جاد ورصين الى تظاهر وتسطيح، واستهزاء وسخرية، ولغو الحديث بلا ادنى منفعة وإفادة.

في الختام: يتصرف الناس في المجموعات بشكل مختلف عما يتصرفون به عندما يكونون منفردين (وإلا لما كانت هناك مجموعات). يمكن التخفيف من عيوب المجموعات من خلال جعل الأداء الفردي واضحًا قدر الإمكان.
إنها الموائمة بين الفاعلية والكفاءة...

لماذا تكسّل فرق العمل الجماعية؟ شبراوى خاطر الجارديان المصرية