دكتور علاء الحمزاوى يكتب : السلام رسالة الإسلام


ــ حددت الأمم المتحدة الحادي والعشرين من سبتمبر يوما عالميا للاحتفال بالسلام، وهـو شيء محمود مع أنها فاقدة لتحقيق السلام في فلسطين! وهنا يحـق لنا أن نفخر بإسلامنا؛ فهو دين السلام، ومعنى السلام أن يَسْلم المرء من كل أذى يسبِّبه له الآخرون، وقد تجاوز حديث القرآن عن {السَّلَام} أربعين آية تحمل معاني عظيمة للبشر، أعظمها أن السلام صفة لله، فهو {الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ}؛ ومعناه أن الله سلِم في ذاته من كل عيب وسلم في صفاته من كل نقص وسلم في أفعاله من كلّ شرّ وهو يسلِّم عباده إلى الجنة، والسلام صفة الإسلام؛ قال تعالى: {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ} أي يهدي بالقرآن المؤمنين لطرق الأمن والأمان والسلامة، والسلام صفة للجنة التى دعا الله المؤمنين إليها فقال: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ}، و{لَهُمْ دَارُ السَّلَامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ}، والسلام تحية المؤمنين في الآخرة؛ قال الله: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ}، وهو تحية المسلمين في الدنيا؛ فقد رُوِي أن "عُمَيْر بن وهب دَخَلَ على رسولِ اللهِ، فقال: أنْعِموا صَباحًا، فقال رسولُ اللهِ: قد أكْرَمَنا اللهُ بتحيَّةٍ خَيرٍ من تَحيَّتِك يا عُمَيرُ، السَّلامُ تَحيَّةُ أهْلِ الجَنَّةِ".
ــ السلام القرآني يحمل معاني الخير والأمن والإيمان والاستقرار والطمأنينة والسلامة، قال تعالى: {وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا}، فالسلام هنا دليل الإيمان، وقال الله للنبي: {وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ} أي بشِّرهم بتحية الله لهم وهي السلام، وهو بمعنى الطمأنينة، وقال للمؤمنين: {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ} أي استقروا في الجنة بأمان، وتفضَّل ربنا على الأنبياء بالسلام فقال: {وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ}، وتفضل على المؤمنين بالسلام؛ فقال: {وَسَلَامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ}، فالمصطفون الأنبياء أو المؤمنون يصطفيهم الله من البشر.
ــ وللسلام ثلاثة مظاهر: السلام مع النفس بإلزامها الطاعة وتطهيرها من العصيان، قال الله: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا. فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا. قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا}، والسلام مع الجيرانِ بأن ينفعهم ويؤمنهم شره ويدفع الضرر عنهم؛ ففي الحديث "وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ وَاللهِ لاَ يُؤْمِنُ، قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: الْجَارُ لاَ يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا بَوَائِقُهُ ؟ قَالَ: شَرورهُ"، والسلام مع المجتمع بحسن المعاملة وعدم الإساءة إليهم، ففي الحديث «المسلمُ مَن سَلِم النَّاسُ من لسانه ويدهِ، والمؤمنُ من أَمِنَه النَّاسُ على دمائهم وأموالهم».
ــ وجعل الله للسلام هذه المكانة؛ لأن الهدف من خلق البشر عبادة الله وعمارة الأرض لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}، و{هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا}، ولا تتحقق العبادة بطمأنينة ولا يتحقق البناء والتعمير إلا بتحقيق الأمن والاستقرار، وهذان لا يتحققان إلا بالسلام، بل إن السلام هو سبب سعادة المؤمنين في الدنيا والآخرة؛ ففي الحديث "لا تَدْخُلُوا الجَنَّةَ حتَّى تُؤْمِنُوا، ولا تُؤْمِنُوا حتَّى تَحابُّوا، ألا أدُلُّكُمْ علَى شيءٍ إذا فَعَلْتُمُوهُ تَحابَبْتُمْ؟ أفْشُوا السَّلامَ بيْنَكُمْ"، والسلام المقصود هنا هو التعايش السلمي أو ما يسمَّى السلام الاجتماعي الذي أمرنا الله به في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}.
ــ وإفشاء السلام المجتمعي يبدأ بتحية الإسلام على الناس؛ فهي سبب للحب والتآلف والترابط بين الناس؛ لذا حفَّـز الإسلام على إلقاء التحية كاملة، ففي الحديث "جاءَ رجُلٌ إِلَى النَّبيِّ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيكُم، فَرَدَّ عَلَيْهِ فجَلَسَ، فَقَالَ النبيُّ: عَشْرٌ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحْمَةُ اللهِ، فَرَدَّ عليهِ فَجَلَسَ، فَقَالَ: عِشْرون، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: السَّلامُ عَلَيكُم وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُه، فَرَدَّ عليهِ فَجَلَسَ، فَقَالَ: ثَلاثُونَ"، وعن أبي هريرة ”إِنَّ أَبْخَلَ النَّاسِ مَنْ بَخِلَ بِالسَّلامِ”، وجعل الإسلام ردّ السلام فرض عين على المنفرد وفرض كفاية على الجماعة؛ ما يؤكد أن الإسلام دين السلام يسعى لتحقيق مصالح الفرد والمجتمع.