السبت 5 يوليو 2025 03:52 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الدكتور عماد خماج (طرابلس/ليبيا) يكتب عن : #البحث المسرحي...علمٌ لا ارتجال.

الدكتور عماد خماج
الدكتور عماد خماج

كثيرًا ما يُنظر إلى البحث المسرحي، وربما البحث العلمي بعامة، كعملية "ارتجالية" أو "بريكولاج" (Bricolage)، حيث يكتب "الباحث" ما يحلو له دون قيود منهجية أو معرفية. هذا التصور خاطئ تمامًا، فالبحث المسرحي، شأنه شأن أي تخصص علمي آخر، هو علمٌ له أسسه ومصطلحاته وقواعده الصارمة التي لا يمكن الحياد عنها.
إن جوهر أي بحث علمي يكمن في منهجيته ورصانته. فليس كل ما يُكتب يعتبر بحثًا، وليس كل من يكتب يُعد باحثًا. البحث المسرحي ليس استثناءً، فهو يتطلب دراسة معمقة وتحليلاً دقيقًا لمصادر متعددة، سواء كانت نصوصًا مسرحية، أو عروضًا، أو وثائق تاريخية، أو دراسات نقدية سابقة. يعتمد الباحث على أدوات منهجية صارمة لجمع البيانات وتحليلها وتفسيرها، وصولًا إلى استنتاجات مدعومة بالأدلة والبراهين.
أهمية المصطلحات المسرحية في البحث
إن أحد أهم أسس البحث المسرحي هو الإلمام التام بالمصطلحات المسرحية المتخصصة. هذه المصطلحات ليست مجرد كلمات، بل هي مفاتيح لفهم الظاهرة المسرحية في عمقها وتجلياتها المختلفة. على سبيل المثال، عندما نتحدث عن "الدراماتورجيا"، أو "الميزانسين"، أو "الشخصية النمطية"، أو "التطهير" (الكاتارسيس)، فإننا لا نشير إلى مفاهيم عامة يمكن تفسيرها بشكل عشوائي. بل هي مصطلحات ذات دلالات محددة ومتفق عليها ضمن حقل الدراسات المسرحية.
غياب هذه المصطلحات أو سوء استخدامها يؤدي حتمًا إلى بحث سطحي، مليء بالأخطاء المفاهيمية، يفتقر إلى الدقة العلمية. فالباحث الذي لا يميز بين "الجمهور" و"المشاهدين"، أو بين "النص" و"العرض"، أو بين "الممثل" و"الشخصية"، لا يمكن أن يقدم إضافة حقيقية للمعرفة المسرحية. المصطلحات هي لغة العلم، وبدون إتقان هذه اللغة، يصبح التواصل العلمي مستحيلاً.
البحث المسرحي كعلم: منهجية ورصانة
البحث المسرحي يتجاوز مجرد سرد للآراء أو الانطباعات الشخصية. إنه يتطلب:
تحديد دقيق لمشكلة البحث: يجب أن يكون هناك سؤال بحثي واضح ومحدد يسعى الباحث للإجابة عليه.
الإطار النظري: يستند البحث إلى نظريات ومفاهيم مسرحية راسخة، تشكل العدسة التي من خلالها يتم تحليل الظاهرة المدروسة.
المنهجية العلمية: استخدام مناهج بحثية مناسبة (تاريخية، تحليلية، مقارنة، وصفية، وغيرها) تضمن جمع البيانات بشكل منظم وتحليلها بطريقة موضوعية.
التحليل النقدي: يتجاوز الباحث الوصف السطحي ليقدم تحليلاً عميقًا للمادة المدروسة، مستندًا إلى الأدلة والبراهين.
الاستنتاجات والنتائج: يجب أن تكون الاستنتاجات مدعومة بالبيانات والتحليلات، وأن تساهم في إثراء المعرفة المسرحية.
الأمانة العلمية: الإشارة إلى المصادر والمراجع بشكل دقيق وشفاف، وتجنب الانتحال أو تزييف الحقائق.
في الختام، إن دعوة البحث المسرحي للابتعاد عن "الارتجال" و"البريكولاج" هي دعوة إلى الرصانة العلمية والالتزام بالمنهجية. فالمسرح، كفن وإنسانية، يستحق بحثًا يرتقي إلى مكانته، بحثًا يعتمد على أسس علمية متينة، ويدرك تمامًا أن المصطلحات المسرحية ليست مجرد زينة لغوية، بل هي العماد الذي يقوم عليه صرح المعرفة المسرحية. بدون هذا الفهم، سيظل البحث المسرحي مجرد محاولات فردية لا ترقى إلى مستوى العلم الحقيقي.

الدكتور عماد خماج #البحث المسرحي.. علمٌ لا ارتجال الجارديان المصرية