الثلاثاء 8 يوليو 2025 12:02 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

مدحت الشيخ يكتب : صعاليك في كل مكان

الكاتب الكبير مدحت الشيخ
الكاتب الكبير مدحت الشيخ

في زمن الصعلكة القديمة، كان الصعلوك تمردًا على الظلم، وصوتًا ساخطًا على التفاوت الاجتماعي. لم يكن يعبأ بقوانين القبيلة أو سطوة السادة، بل ينحاز لمن هم في الهامش، ينهب من يملك ليُطعم من لا يملك، حتى وإن خالف بذلك الأعراف السائدة.

أما اليوم، فقد تبدّلت الصورة.

الصعلوك المعاصر لا يحمل سيفًا ولا يسكن أطراف الصحراء. إنه موظف كبير، أو متحدث لبق، أو نجم شاشة. يرتدي بدلة فاخرة، ويتصدر المشهد، يتحدث عن التنمية والعدالة، بينما يمارس الإقصاء، ويُجهز على ما تبقى من طموحات البسطاء.

في الشارع، صعلوك خلف عجلة القيادة، يتعامل مع الطريق كأنه ملك خاص، لا يعترف بقانون ولا بأدب.
وفي المصلحة الحكومية، صعلوك بوجه رسمي يعطل مصالح الناس، ويتعامل مع الحقوق كأنها هبات يمنحها لمن يشاء.
وفي الإعلام، صعلوك يرفع شعارات الوطنية، بينما يبيعها في الكواليس.
وعلى منصات التواصل، صعلوك إلكتروني يصعد على أكتاف الشتائم والتنمر، ويُمارس الوصاية باسم التنوير.

الخطير أن هذا النموذج أصبح مقبولًا لدى قطاعات واسعة، يُصفق له البعض، ويُعاد تدويره من منصب إلى آخر، وكأن الوقاحة مؤهل، والصوت العالي شهادة جدارة.

الصعلوك الجديد ليس ابن الجوع، بل أداة سلطة. يُمارس الفساد بانضباط إداري، وبدعم ضمني من بيئة مشوشة، اختلطت فيها مفاهيم الذكاء بالدهاء، والكفاءة بالضجيج.

إن التحدي الأكبر لا يكمن في وجود هؤلاء، بل في بيئة تحتفي بهم، وتقصي أصحاب الكفاءة والنزاهة، وتفتح الطريق للصعلوك لا للكفء.

نحن لا نفتقر إلى العقول النزيهة، بل نغرق في ضجيج الصعاليك الذين انتزعوا مواقع ليست لهم، وروّجوا لفكرة أن ما نعيشه هو "الوضع الطبيعي".

ويبقى السؤال...
هل ننتظر أن يُعيد الزمن تعريف الاحترام والجدارة؟ أم نبدأ نحن باستعادة المعيار، وتنظيف المشهد من صعاليكه الجدد؟

مدحت الشيخ صعاليك في كل مكان الجارديان المصرية