الثلاثاء 8 يوليو 2025 01:25 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

شحاتة زكريا يكتب : القاهرة بين العاصمتين.. هل تملك مصر مفاتيح التوازن القادم؟

الكاتب الكبير شحاتة زكريا
الكاتب الكبير شحاتة زكريا

في لحظة إقليمية حرجة تتراجع فيها الثوابت وتتمدد فيها محاور النفوذ ، تقف القاهرة على مفترق طرق بين عاصمتين تُشكّلان طرفي الميزان في الشرق الأوسط: طهران وتل أبيب. واحدة تُلوّح بالسلاح تحت عباءة المقاومة ، والأخرى تُدير ماكينة نفوذها بالاحتلال وتكتيكات التهويد. وبين هذه وتلك تظل مصر الحاضر الأخطر ليس لأنها ترفع الصوت بل لأنها تمسك بالمفتاح الأهم: مفتاح التوازن.

لم تكن مصر يومًا دولة تُدير ملفاتها الخارجية بالصوت المرتفع أو بالشعارات لكنها في المقابل تُراكم أدوارها بنمط لا يُرى إلا في لحظات الحسم. وهكذا بينما تمضي أطراف الصراع في حروب مباشرة أو بالوكالة تبني القاهرة علاقات تمتد في جميع الاتجاهات دون أن تفقد مركزها.

في المواجهة الممتدة بين إيران وإسرائيل تكشف المواقف أن التوازن مفقود وأن التصعيد هو اللغة الوحيدة التي يتحدث بها الجميع. في المقابل اختارت القاهرة طريقا آخر يُعيد تعريف الدور الإقليمي. ليس بتصدير الصراعات بل باحتوائها. ليس بتغذية الانقسام بل بمحاولة ترميم ما تبقى من فكرة الدولة في عالم يتآكل.

القاهرة تعرف جيدا أن الفراغ في الإقليم لا يُترك وأن غيبتها تُغري قوى أخرى بملئه. لكنها لا تُشارك لمجرد الحضور بل حين تتحرك تفعل ذلك بثقل الدولة التي تعرف حجمها وحدودها وتدرك أن ما تزرعه اليوم من هدوء قد يحصد غدا استقرارا.

ليست المرة الأولى التي تُوضع فيها مصر في قلب الميزان، لكنها ربما اللحظة الأكثر تعقيدا. إيران تُراكم أوراقها في اليمن وسوريا والعراق ولبنان، وإسرائيل تُحاول تصدير أزمة شرعيتها الداخلية عبر تمدد خارجي بينما الخليج يعيد رسم أولوياته وتركيا تُناور اقتصاديًا وجيوسياسيا ، والقوى الكبرى ترسم خرائط جديدة بمنطق المصالح لا المبادئ.

في هذا المشهد المتشابك تظهر أهمية الدور المصري ليس باعتباره بديلا عن أحد ، بل لأنه الطرف الوحيد الذي يستطيع التحدث مع الجميع دون أن يُحسب على أحد. وهذا بالضبط ما يجعل القاهرة تملك ما لا يملكه سواها: القدرة على كبح التصعيد ، وفتح قنوات الاتصال ، وضبط إيقاع المنطقة.

التحركات المصرية في الملف السوداني مثلًا لم تكن فقط تعبيرا عن مصالح جوار بل كانت اختبارا حيا لقدرة القاهرة على صناعة المبادرة. وفي غزة لعبت مصر دور الوسيط الذي لا غنى عنه القادر على ضبط الإيقاع بين طرفين لا يثقان بأحد، لكنهما لا يتحركان دون إشارتها.

لكنّ السؤال الأهم الآن: هل تملك مصر بالفعل مفاتيح التوازن القادم؟

الإجابة ليست في البيانات ولا المؤتمرات ، بل في الفعل المتراكم. في استمرار بناء شراكات ذكية وفي الحفاظ على خيوط التواصل مع العواصم المتقابلة. في أن تظل مصر دولة يمكن للجميع أن يتحدث معها دون أن يشعر أحد بأنها تُملي أو تُناور.

القاهرة لا تسعى للزعامة بصورتها التقليدية بل تسعى لإعادة تعريف الثقل السياسي ، بأن تكون أرضا مشتركة لا ساحة تنافس. أن تقدم نموذجا يقول: الاستقرار لا يُفرَض بل يُبنى. والنفوذ

شحاته زكريا مقالات شحاتة زكريا القاهرة بين العاصمتين.. هل تملك مصر مفاتيح التوازن القادم؟ الجارديان المصرية