حكايات مصيرية
الكاتب الصحفي الحسيني عبد الله يكتب : الجراح الصامت.


في زوايا البيوت الهادئة، خلف جدران تبدو مستقرة، تُخفى جراح لا تُرى، وآهات لا تُسمع. إنه العنف الأسري، الجريمة التي ترتكب في صمت، ويُغلق عليها الباب بإحكام، تحت شعارات زائفة مثل "الخصوصية العائلية" أو "العيب"، بينما الضحايا يعانون وحدهم، وأصواتهم تخنقها القيود الاجتماعية والخوف من الفضيحة.
*عنف بأشكال متعددة*
العنف الأسري لا يعني الضرب فقط، بل يشمل الإهانة، الحرمان، التحكم، الإهمال، التهديد، وحتى الاستغلال العاطفي. تبدأ القصة غالبًا بنقد دائم، نظرات احتقار، أو أوامر صارمة، ثم تتطور إلى صفعة أو صراخ، حتى تصل إلى ما لا تُحمد عقباه من تدمير نفسي أو حتى جرائم قتل.
*الضحايا كثر.. والمتحدثون قليلون*
غالبية ضحايا العنف الأسري من النساء والأطفال، لكن هناك أيضًا رجال يتعرضون للإيذاء في صمت. الغريب أن الضحية في أغلب الأحيان تُحمَّل جزءًا من اللوم، فتُطالَب بالصبر حفاظًا على الأسرة، أو يُطلب منها السكوت "لأجل الأولاد".
*الإحصائيات تفضح الواقع*
تقارير الأمم المتحدة تشير إلى أن امرأة من كل ثلاث نساء حول العالم تتعرض للعنف الأسري. وفي العالم العربي، تزداد الأرقام تعقيدًا بسبب ضعف الإبلاغ، والخوف من العار أو الطرد أو حرمان الأطفال.
*المجتمع شريك في الجريمة بصمته*
حين يسكت المجتمع عن العنف الأسري أو يبرره، يصبح شريكًا غير مباشر. حين تتغاضى القوانين، أو تضعف مؤسسات الحماية، يصبح العنف خيارًا سهلًا للمعتدي. وعندما يُطلب من الضحية الصبر بدلًا من الدعم، تصبح الجراح أعمق وأشد صمتًا.
*الحل يبدأ بالاعتراف*
المطلوب اليوم ليس فقط سن قوانين رادعة، بل أيضًا حملات توعية تُعيد تعريف مفهوم "الأسرة السعيدة"، وتُشجع على طلب المساعدة دون خجل. لا بد أن يشعر الضحايا بالأمان حين يتحدثون، وأن يعرف الجاني أن العدالة قريبة.
العنف الأسري ليس شأنًا خاصًا، بل قضية مجتمعية تهدد الاستقرار النفسي للأجيال القادمة. الجراح الصامتة يجب أن تُكشف، لأن الصمت عن الألم ليس حلاً، بل بداية لألم أكبر.