الأربعاء 9 يوليو 2025 12:52 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

حسين السمنودى يكتب : قرار الـ20% أعمال السنة .. مغامرة غير محسوبة لضمان حضور طلاب الصف الثالث الإعدادي

الكاتب الكبير حسين السمنودى
الكاتب الكبير حسين السمنودى

فوجئ أولياء الأمور بقرار جديد من وزارة التربية والتعليم يقضي باحتساب 20% من أعمال السنة لطلاب الصف الثالث الإعدادي في الترم الأول، كوسيلة لتحفيز الطلاب على الحضور والالتزام بالدراسة داخل المدارس. وعلى الرغم من أن ظاهر القرار يبدو أنه يسعى للانضباط، إلا أن باطنه يكشف عن إشكاليات حقيقية ومعوقات واقعية لا يمكن تجاهلها، وأهمها: غياب البنية التحتية اللازمة، وعجز المدرسين، وواقع العملية التعليمية الذي لا يحتمل مثل هذه القرارات المفاجئة.

فالصف الثالث الإعدادي هو سنة مصيرية في حياة الطلاب، كونها نهاية مرحلة التعليم الأساسي وبوابة العبور نحو التعليم الثانوي العام أو الفني. ومع ذلك، فإن العديد من المدارس في مصر، خاصة في القرى والمناطق النائية، لا تمتلك فصولًا مخصصة لهذا الصف من الأساس، أو أنها تستخدم فصولًا غير مجهزة أو مؤقتة، كما هو الحال في بعض المدارس التي تضع طلاب الشهادة الإعدادية ضمن صفوف مبنية على حساب الكثافة وليست على أساس تربوي.

ومن جهة أخرى، فإن أزمة العجز الصارخ في أعداد المدرسين، خاصة في المواد الأساسية كالعربية والرياضيات والعلوم، تُعد أزمة مستمرة منذ سنوات. ورغم إعلانات التعيين والتكليف، إلا أن تنفيذها لم يصل بعد إلى مستوى يغطي الفجوة الحقيقية داخل المدارس. فكيف يُطلب من طلاب الشهادة الإعدادية الحضور والالتزام، بينما لا يجدون مدرسًا يشرح لهم؟ وكيف نحاسبهم على الغياب ونخصم من درجاتهم، في وقت تعجز فيه الوزارة عن تأمين معلم ثابت لهم؟

وبالإضافة إلى ذلك، فإن هذا القرار فاجأ أولياء الأمور الذين ظلوا لأشهر يتابعون أبناءهم في الدروس الخصوصية، كونهم فقدوا الثقة في التعليم المدرسي. فالمدرسة بالنسبة للكثيرين أصبحت مكانًا إداريًا لا أكثر، وتقديرات أعمال السنة قد تفتح الباب أمام مزاجية بعض الإدارات أو المعلمين، فتتحول من وسيلة للانضباط إلى أداة للعقاب أو المجاملة.

ثم إن القرار لم يُرافقه أي خطة واضحة أو جدول زمني لتطوير فصول الشهادة الإعدادية أو سد العجز في المعلمين، ولا حتى أي محفزات حقيقية تشجع الطلاب وأولياء الأمور على العودة للمدرسة، مثل تحسين المناهج، أو تقديم أنشطة تربوية تجذب الطالب، أو حتى إصلاح حال دورات المياه داخل المدارس.

والسؤال الذي يفرض نفسه بقوة:
هل أرادت الوزارة ضمان الحضور بالتهديد والخصم من الدرجات، أم كان من الأفضل أن تسلك طريق التطوير أولًا، لتجعل الطالب يعود بإرادته؟
وهل بهذه الطريقة نؤسس لجيل يحب المدرسة أم جيل يرى في التعليم الحكومي مجرد روتين إجباري وقرارات مفاجئة لا تُبنى على واقع؟

إن ما نحتاجه فعلًا ليس قرارات ارتجالية، بل رؤية متكاملة تبدأ من الأساس: تطوير البنية التحتية، سد العجز في المدرسين، تدريب المعلمين، إعادة ثقة أولياء الأمور، ثم بعد ذلك الحديث عن أعمال السنة والانضباط. أما أن نُحمّل الطالب وحده مسؤولية الإهمال المزمن للمدرسة، فذلك ليس عدلًا.

وإذا كان الغياب عن المدرسة جريمة، فإن غياب العدالة في توزيع المعلمين، وغياب الفصول، وغياب الرؤية الحقيقية للتطوير هو الجريمة الأكبر. فلا تزر وازرة وزر أخرى، ولا يُعقل أن يتحمّل الطالب وحده تبعات منظومة تعاني منذ سنوات. فالمعلم الذي لا يأتي، والفصل الذي لا يوجد، والكتاب الذي يتأخر، كلهم شركاء في قتل الرغبة في التعليم داخل قلب الطالب.

يا معالي الوزير، علّقنا آمالنا كثيرًا على الإصلاح، ولا نريد أن تتحول تلك الآمال إلى خصوماتٍ في دفاتر الدرجات. أعيدوا للمدرسة روحها، وللمعلم مكانته، وللطالب أمله، قبل أن تُحاسبوه على الحضور والغياب. فليست المدرسة جدرانًا، بل حضن علمٍ وأمان، فإذا غاب الدفء عن الحاضن، فكيف نلوم من اختار الهروب؟

إن أبناءنا أمانة، وليسوا درجاتٍ تُخصم على ورقة.

حسين السمنودى قرار الـ20% أعمال السنة .. مغامرة غير محسوبة لضمان حضور طلاب الصف الثالث الإعدادي الجارديان المصرية