الخميس 10 يوليو 2025 08:55 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

سمير إبراهيم زيان يكتب : بين عَطَبِ المعنى وتشوّش المستقبل : تأمّل في راهن البشرية

الكاتب الكبير سمير إبراهيم زيان
الكاتب الكبير سمير إبراهيم زيان

تسير المجتمعات المعاصرة بخطى مثقلة نحو مفترق خطير، حيث لم تعد المآسي تُروى ، بل تُستهلك ، ولم يعد العنف يُدان ، بل يُبرر ، وتحوّل القتل من فاجعة إلى مشهد عابر ضمن نشرات الأخبار .
أصبح الواقع أكثر قسوة من الخيال ، وأكثر اعتيادًا من أن يثير الذهول .

وفي قلب هذا الانحدار ، فقد الفكرُ موقعه ، وانكمش دور المثقف الحقيقي ليحلّ محلّه " المُعلّق اللحظي " ، الذي يُستدعى لا ليُفكّر ، بل ليُعلّق على العابر ، متخليًا عن مسؤوليته الأساسية في إنتاج الوعي ومساءلة الواقع . صار الفكر مقطوع الصلة بالواقع ، والثقافة معولمة بلا جذور ، والأفكار تطفو كجُملٍ جاهزة بلا سياقات ولا عمق .

أما في المشهد العربي ، فما زالت الثقافة أسيرة ثنائيات مستهلكة ، كالأصالة والمعاصرة ، والتراث والحداثة ، دون امتلاك الشجاعة اللازمة لتفكيكها . يُستحضر الماضي كصنم مقدس ، لا كتجربة بشرية قابلة للنقد ، وتُعطى له صلاحية التدخل في الحاضر وتوجيه المستقبل ، وهو ما يُعيق حركة التقدّم ، ويُربك البوصلة الحضارية .

لكن ، ورغم هذا المشهد القاتم ، فإن الحل - وإن بدا صعبًا - ليس مستحيلًا .

لا بد من استعادة المعنى لحركة الحياة ، وذلك عبر :

1- إحياء الفكر النقدي وربط الثقافة بالواقع لا بالشعارات .
2- تحرير المثقف من أسر التسلية الإعلامية ، ليعود فاعلًا في صناعة الوعي .
3- التصالح مع الماضي برؤية نقدية ، تنزعه من الوهم وتعيده إلى مكانه الطبيعي : تجربة نستفيد منها لا مرجعية نُقاد لها .
4- إعادة بناء منظومة القيم على أساس إنساني يرفض تعويد العين على العنف وتطبيع الضمير مع البشاعة .
5- إطلاق مشروع حضاري جديد ، يربط بين المعرفة والحياة ، ويستشرف المستقبل بشجاعة وصدق .

إن استمرار العالم بهذا المسار سيؤدي إلى تفكك البنى الأخلاقية ، وضياع الاتجاه ، وتحويل الإنسان إلى كائن مشوش ، فاقد للمعنى ، مستسلم لعبث لا ينتهي . ولذلك ، فإن الإصلاح الحقيقي يبدأ من إعادة تعريف دور الفكر ، وتمكين الإنسان من أدوات الوعي ، ليعيد تشكيل حاضره ، ويمنح للمستقبل أفقًا لا يُولد من رحم الخراب .

سمير إبراهيم زيان بين عَطَبِ المعنى وتشوّش المستقبل : تأمّل في راهن البشرية الجارديان المصرية