شبراوى خاطر يكتب : أقرب طريق لقلب السائح معدته


استكمالا لمناقشة مفهوم "التأثير" وأهميته، يكاد لا يخلو حوار او مقال عن الدراما والفن والثقافة المصرية من مصطلح "تأثير القوى الناعمة" لتأكيد ونشر الصورة الذهنية للأمة المصرية لكي تتسلل وتتغلغل داخل أدمغة وقلوب شعوب العالم المحيطة بالدولة المصرية، والبعيدة ايضاً.
وتحت مسمى "دبلوماسية الكشري" انتشرت مؤخراً منشورات وأخبار وتحقيقات عديدة لكبار الضيوف الزائرين لمصر مثلما ظهر وزير الخارجية المصري الدكتور بدر عبدالعاطي مع "ماينل رايزينجر" وزيرة خارجية النمسا في فيديو طريف، خلال زيارتها لمصر، وهي تُعد طبق كشري أثناء تناولها الطعام في مطعم كشري "أبو طارق" الشهير. ومن بعدها وزير الخارجية الإيراني «عباس عراقجي» والذي نشر في منشور عبر حسابه الرسمي في منصة إكس، تويتر سابقًا، "خلال زیارتي إلی مصر ذهبنا مع المرافقین إلی مطعم كشري شعبي شهير وسط مدینة القاهرة، وتناولنا هناك الوجبة المصریة الشهیرة الكشري والذي أضاف: "هي وجبة لذیذة وشهیة فعلا یتم إعدادها من دون مشتقات اللحوم. أنصح المشتاقین للأکلات العربية تجربتها حتما". ومن قبلهم تناول الكشري "مسعد بولس" المستشار الخاص بالرجل البرتقالي حاكم امريكا بصحبة السفيرة الأمريكية بالقاهرة، ولم يكتفِ "بولس" بتناول الكشري، بل قام بتجربة تعبئة الطبق مكوناته المختلفة أيضاً. وذكرت السفارة الأمريكية، أن بولس لم يستطع تفويت فرصة تناول الكشري وسط كرم وحفاوة المصريين.
هذا بالإضافة إلى بعض السفراء وزوجاتهم وكبار المسئولين وانتشرت فيديوهات قصيرة تصورهم وهم يعدّون بسعادة طفولية لطبق الكشري المصري أمام أنظار العالم كله من خلال الإنترنت.
وهذا ما أثار انتباهي للدور الذي يلعبه طعام الشعوب كأحد القوى الناعمة للتأثير ونشر الثقافة والتراث حتى اصبحت مثل تلك الأكلات والاطعمة جزء من الفولكلور الشعبي. ليصبح الطبق المصري رمزا ووسيلة لبناء جسوراً للتواصل السياسي التي تقرّب المسافات بين الثقافات
وكما ذَكَرَتْ بعض وسائل الإعلام بأن سفير نيوزيلندا السابق، "جريج لويس"، أول من شارك في مبادرة المطعم، ومن ثمّ توالى حضور سفراء بريطانيا، وأستراليا، وتشيلي، والأرجنتين، والمكسيك، وجورجيا، ومالي، وكولومبيا، وبلجيكا، وهولندا، وأفغانستان، ونيبال، والدنمارك، وبيرو، وكوريا الجنوبية، والبوسنة والهرسك، وغيرهم العشرات.
وتعليقاً على ذلك يرى السفير صلاح حليمة، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن هذه الزيارات تعكس اهتمام الدبلوماسيين بالتعرف على الجانب الشعبي من المجتمع المصري، وهو جانب لا تتيحه اللقاءات الرسمية أو الجولات البروتوكولية، مشيراً إلى أن هذه الزيارات تقدم أيضاً مؤشرات عن أجواء الأمان والترحيب، خصوصاً عندما تُنقل صورها للعالم، سواء عبر الإعلام أو وسائل التواصل الاجتماعي.
وإذا نظرنا إلى الأمر بشكل أوسع سوف نرى كيف تننشر في شوارع مصر العديد من عربات تقديم الاطعمة والمشروبات المختلفة، وكلما تجولت في شوارع مصر، حتماً سترى عربة الفول والفلافل المميزة بتصميم يكاد يكون ثابت، وترى عربات حمص الشام والمسمط المتنقل، وعربات الكبدة والسجق، والذرة المشوية والتين الشوكي والترمس والبطاطا المشوية والخروب والأيسكريم "الدندرمة"، وعصير البرتقال وعربات المحمصات والكسكسي وبائع العرقسوس ولا ننسى الأرز باللبن والبليلة بالمكسرات..
ولقد رأيت وجربت نماذج مختلفة في بلاد مختلفة، فمثلاً تنتشر في المغرب عربات شوربة "الحلزون" نوع من انواع الصدفيات البحرية الحلزونية، وعربات الفستق والكستناء المشوية، والعصافير المقلية في لبنان، وعربات السميط في تركيا، وساندويتشات السوفلاكي في اليونان وقبرص اليونانية، وكعكة البيض في هونج كونج، والسوسيس والباجل في امريكا، والبايية أو "البقية" باللغة العربية في إسبانيا، وشوربة التوم يام في ماليزيا ودول الشرق الأقصى، وأشياء غريبة مثل العقارب وحشرات اخرى لا أريد أن اتذكرها في تايبيه في تايوان، والنودلز في كوريا وشوارع الصين، والكرنب المحشو باللحم في ألمانيا مع شوربة الكرنب،
ولا يستغرب المعتاد على الخروج في شوارع القاهرة في الصباح رؤية عربة صغيرة غالباً ما يكون لونها أحمر ممزوج بأصفر أو أخضر ومكتوب عليها عبارة; "سترك يارب" أو "إذا خلص الفول، أنا مش مسؤول" ويقف أمامها رجل يرتدي مريلة بيضاء، منهمك في إضافة الليمون والزيت الحار وأحياناً البيض على الفول الذي يخرجه من القدرة الكبيرة الموضوعة على العربة. وحول هذا الرجل يجتمع رجال من كل الأطياف، منهم من يرتدي حُلة أنيقة ويمسك بمفتاح سيارته الحديثة ومنهم من يحمل دفاتر الجامعة ومنهم من يضع بجواره المعول حتى ينتهي من تناول الفول ليذهب للبحث عن عمل، تجمعهم جميعاً عربية الفول أو كما يسميها المصريون.
ونظراً إلى انتشار عربات الكشري والفول وحمص الشام والمسمط المتنقل وعربات البطاطا المشوية حتى أصبحت رمز للعلامة التجارية لتلك المأكولات التي يفتخرون بها
ولم يقتصر انتشار مطاعم الكشري على الشوارع والمراكز التجارية المصرية، لكن بدأ انتشارها خارج الحدود لكي تمثل رمز مصري في دول مختلفة،
ولقد تخطى الأمر لأن يكون "كشري أبو طارق" مجرد اكلة شعبية مصرية ولكنه اصبح مؤثر سياسي أثار إعلانه حفيظة الصحفي الاسرائيلي المتخصص في الشأن العربي وأحد المحللين في التليفزيون العبري "روعي كايس"، معلقا عبر حسابه الرسمي على تويتر" يبدو أن مطعم أبو طارق الذى يقدم الكشرى المحبوب في القاهرة قد دخل في خضم الحرب بين إسرائيل وإيران. والذي نشر طبق كشري جديد على شكل صاروخ على حساب المطعم على فيسبوك مع تعليق "قريبا".
حقاً لدينا سلاح جديد، يضافة إلى ترسانة القوة الناعمة المصرية.