الثلاثاء 22 يوليو 2025 10:17 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

خالد دره يكتب من فرنسا: بالعقل أقول…( سلاح التجويع فى غزة إسرائيلي بمشاركة عربية ! )

الكاتب الكبير خالد درة
الكاتب الكبير خالد درة

قرابة العامين و الحصار يتحوّل إلى آلة قتل صامتة
على امتداد قطاع غزة المنكوب ، فتتراجع الحياة أمام أمعاء خاوية ، و أجساد تنحل شيئاً فشيئاً حتى تنطفئ و ترحل فى صمت أمام صمت العالم العربى والغربي .

فلم يعد القصف وحده وجه الموت في غزة ، بل بات الجوع سيفاً مصلتاً على رقاب أكثر من مليوني إنسان ، يحاصرهم الخوف و العيش في خيام و ركام .. و على امتداد هذا القطاع المنكوب ،
و في ظل حصار خانق و حرب مستعرة منذ أكثر من 21 شهراً ، باتت المجاعة وجهاً جديداً للنكبة الفلسطينية ، و واقع يعيشه الأهالي ، خاصة الأطفال و النساء ، الذين يتقدمون صفوف الجوعى ، و يدفعون ثمن الحرمان من الطعام والدواء والماء ..
و لئن وصّفت تقارير الأمم المتحدة المشهد بأنه بلغ "مستوى الكارثة" مع وصول نصف مليون فلسطيني إلى المرحلة الخامسة من انعدام الأمن الغذائي ، و هي المرحلة الأشد خطورة ، إلا أن المنظمة نفسها ، كما العالم ، غاب عنها الاعتراف رسمياً بالمجاعة الواقعة حتى اللحظة .. و لم يتحرّك أحد لردع آلة القتل الإسرائيلية التي تفتك بصفوف طالبي الحد الأدنى من الغذاء ..

و يتقدم الأطفال واجهة هذه الكارثة ، إذ توثق منظمة "أطباء بلا حدود" و"اليونيسف" أن 71 ألف طفل مهددون بالموت جوعاً ، و أن الآلاف منهم باتوا بحاجة فورية إلى علاج من سوء التغذية الحاد .. و في مستشفيات تفتقر إلى أدنى مقومات البقاء ، يضطر خمسة رضع إلى مشاركة حاضنة واحدة ، فيما تسجل وحدات العناية المركزة معدلات غير مسبوقة من الولادات المبكرة الناتجة عن سوء التغذية الحاد بين الأمهات ..
و في خان يونس ، تقول الطفلة أمينة وافي ، ذات العشرة أعوام ، التي التقتها وكالة الأنباء الفرنسية : "أنا جائعة جداً... أخاف أن أموت و أنا جائعة".. فكلامها ليس مجرد مناشدة عابرة ، بل شهادة من قلب المجاعة ، و من طفولة حُكم عليها أن تنضج على مرارة الحليب المفقود ، و الطعام المتخيل و الخيالى ..
و يقول الناطق باسم وكالة الأمم المتحدة لغوث و تشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) كاظم أبو خلف ،، إنّ "الوضع في غزة مأسوي ، و يتجه نحو المزيد من التدهور .. و بالمقارنة مع فبراير ، ازدادت حالات سوء التغذية بنسبة 280%.. و حتى نهاية يونيو ، سُجّل دخول 6 آلاف طفل تراوح أعمارهم بين 6 أشهر و 5 سنوات في دائرة سوء التغذية الحاد ، من بينهم 910 في مرحلة "سوء التغذية الحاد الوخيم"، وهي أخطر مراحل الجوع و أكثرها فتكاً"..
و وفقاً لأبو خلف فإنّ الغذاء أصبح "سلاحاً يُستخدم عمداً ، تماماً كالقصف".. حتى مياه الشرب باتت أزمة كبرى ، إذ إن 95% من العائلات في القطاع تفتقر إلى المياه الصالحة للشرب و للاستخدامات الأساسية ، ما أدى إلى أن 44% من الحالات المرضية تُعزى إلى نقص المياه النظيفة ..

و مع إصدار أوامر إخلاء جديدة تطال ما يقارب 88% من مساحة القطاع ، يجد أكثر من مليوني فلسطيني أنفسهم محشورين في مساحة لا تتجاوز 12% من أراضي غزة ، التى تفتقر إلى الغذاء و الماء و الدواء ، و تُدار بآلية إسرائيلية – أميركية لتوزيع المساعدات ، التى يصفها البعض بأنها "آلية للقتل الممنهج" أو مصيدة للموت ..
و لم يعد الوصول في غزة إلى كيس طحين أو عبوة طعام معلّب رحلة محفوفة بالمخاطر فحسب ، بل قد تكون رحلة الموت ذاتها .. و تزايدت الشهادات عن قصف ، و إطلاق نار ، و جوع ، و تزاحم يتحول إلى مأساة جماعية ، حتى بات مقتل المدنيين أثناء انتظارهم المساعدات مشهداً عادياً و مُعتاد ..
آخر مثال على ما يحدث ، إطلاق القوات الإسرائيلية النار على حشود تجمعت حول شاحنات مساعدات فقتلت 93 مدنياً ، منهم 80 في شمال القطاع ، بحسب ما أفاد الدفاع المدني .. و يكشف أبو خلف أن التقارير تُشير إلى مقتل 922 شخصاً ، معظمهم في محيط مواقع توزيع تابعة لـ"مؤسسة غزة الإنسانية" منذ بدء عمل المؤسسة (قبل نحو 55 يوماً) ، و هذا يعني أن المعدل اليومي للضحايا بلغ 16 قتيلاً في اليوم الواحد..
و في مخيمات النزوح ، كما في مدارس "الأونروا"، تصطف الطوابير لأجل لقمة قد لا تأتي .. أما داخل "مطابخ الطوارئ"، فالوضع ليس أفضل .. فبرنامج الأغذية العالمي أعلن أن المطابخ تقدم "ماءً ساخناً مع القليل من المكرونة"، واصفاً الوضع بأنه "الأسوأ على الإطلاق" ..

و لقد مُني المجتمع الدولي بـ"فشل ذريع في هذا الامتحان"، وفقاً لأبو خلف ، الذي يقول إنّه في مطلع مايو ، صدر تقرير "الأمن الغذائي المرحلي المتكامل"، بناء على رصد و مسح ميداني ، و يُعد من التقارير التي تعتمد عليها الجهات المختصة في إعلان المجاعة .. و يُحذّر التقرير من أن نحو 470 ألف شخص في غزة سيدخلون دائرة سوء التغذية الحاد ما بين يوليو و سبتمبر .. و قد بدأ الحديث فعلاً عن "مشاهد لأشخاص يسقطون على الأرض من شدة الجوع".. ويضيف : "هذا تقرير علمي جدي ، و من المفترض أن يُؤخذ على محمل الجد ، لا أن يُوضع على الرفوف".. و على رغم ذلك ، لا يزال اعتراف العالم الرسمي بالمجاعة غائباً ..
فالجوع تحوّل إلى سلاح حرب ، لا يقل قسوة عن القصف ، يفتك بالبشر بصمت و بطء .. و في مقابل هذا الموت المتدحرج ، يكتفي العالم بتصريحات جوفاء و تظاهرات خجولة هنا و هناك ، لا تملك من التأثير إلا صداها ..
إنها ليست مجرد كارثة إنسانية ، بل مجزرة بالتجويع ، تُرتكب على مرأى و مسمع العالم ، من دون أن تُقابل بإرادة حقيقية لوضع حد لها .

خالد دره نابعقل أقول…( سلاح التجويع فى غزة إسرائيلي بمشاركة عربية ! ) الجارديان المصرية