الثلاثاء 9 سبتمبر 2025 11:49 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

المحلل السياسي محمد الشافعى يكتب: ثورة 23 يوليو المجيدة ..الثورة الأم البيضاء للتحرر المصرى العربى الأفريقى

الكاتب والمحلل السياسي محمد الشافعى
الكاتب والمحلل السياسي محمد الشافعى

** الثورة التي غيرت وجه مصر والعالم العربي

ثورة 23 يوليو 1952 ليست مجرد حدث تاريخي عابر في حياة مصر، بل كانت " الثورة الأم البيضاء" التي أنجبت تحرراً شاملاً ونهضة غير مسبوقة للشعب المصري.

هذه الثورة المجيدة، التي قادها ضباط أحرار من أبناء الشعب، حررت مصر من حبال الملكية الفاسدة والاستعمار البريطاني المتجذر، وفتحت أمام المصريين أبواباً جديدة للحياة الكريمة بفضل الله ثم بإرادة أبنائها الأبطال. لقد كانت ثورة يوليو شعلة مضيئة ألهمت الثورات العربية ضد المستعمر، وأصبحت نموذجاً يحتذى به في أفريقيا والعالم الثالث كله، حيث أثبتت أن الشعوب قادرة على تقرير مصيرها بيد أبنائها .

**الجذور التاريخية للثورة .. من الاحتلال إلى التحرر

لم تكن ثورة 23 يوليو وليدة لحظة عابرة، بل كانت تتويجاً لمسيرة كفاح طويل بدأ منذ الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882. لقد عانت مصر لعقود من الهيمنة البريطانية التي تحكمت في مقدرات البلاد حتى بعد الإعلان الرسمي عن إنهاء الحماية البريطانية عام 1922. وكان نظام الملك فاروق يمثل امتداداً لهذه الهيمنة، حيث تحولت الملكية إلى أداة طيعة في يد المستعمر، بينما عاش الشعب المصري في فقر مدقع وتخلف شامل .

** دور الضباط الأحرار في إشعال الشرارة

تشكلت نواة الثورة بين صفوف الجيش المصري، حيث تجمع الضباط الأحرار حول أفكار التحرر الوطني والعدالة الاجتماعية. وكان لهزيمة 1948 في فلسطين أثر بالغ في إذكاء روح الثورة، حيث كشفت فساد النظام الملكي وتآمره على الجيش المصري بتزويده بأسلحة فاسدة.

الضباط الأحرار استلهموا روح الثورة من نضالات الشعب المصري الطويلة منذ ثورة 1919، ولكنهم أضافوا بعداً جديداً هو التحرر الشامل من الاستعمار والتبعية والرجعية .

** إنجازات الثورة: من التحرير إلى البناء

كان أول إنجازات الثورة هو إسقاط النظام الملكي في 26 يوليو 1952، عندما أجبر الملك فاروق على التنازل عن العرش ومغادرة البلاد .. وبعد ذلك بسنوات قليلة، تمكنت الثورة من إنهاء الوجود العسكري البريطاني في مصر بعد اتفاقية الجلاء عام 1954، لتنتهي بذلك 72 عاماً من الاحتلال البريطاني. كما ألغت الثورة النظام الإقطاعي وصادرت الأراضي الزراعية الكبيرة ووزعتها على الفلاحين، محققة بذلك أحد أهم مبادئ العدالة الاجتماعية .

** البناء الداخلي والنهضة الشاملة

لم تكن ثورة يوليو مجرد حركة تحرير من الاستعمار، بل كانت مشروعاً نهضوياً شاملاً:

1- التعليم المجاني .. جعلت الثورة التعليم حقاً لكل مواطن، مما أدى إلى ارتفاع معدلات القراءة والكتابة من أقل من 30% إلى أكثر من 60% خلال عقدين فقط.

2- التأمين الصحي المجاني .. أنشأت الثورة نظاماً صحياً يضمن الرعاية الطبية لكل مواطن، خاصة الفقراء الذين حُرموا من أبسط الخدمات الطبية في العهد الملكي البائد .

3- التصنيع والاقتصاد الوطني .. أقامت الثورة بنائا لقاعدة صناعية ضخمة شملت صناعات الحديد والصلب والغزل والنسيج وغيرها، مما وفر آلاف الفرص العمل للمصريين.

4- السد العالي .. كان هذا المشروع العملاق رمزاً لعزيمة مصر الثورة، حيث وفر الكهرباء وحمى مصر من فيضانات النيل وجفافه، وأصبح نموذجاً للتنمية المستقلة .

** الدور الإقليمي والدولي لمصر الثورة

لم تقتصر آثار ثورة يوليو على مصر فقط، بل امتدت إلى العالم العربي وأفريقيا:

- نموذج للتحرر العربي .. أصبحت مصر الثورة قبلة للحركات التحررية العربية، حيث قدمت الدعم المادي والمعنوي لثورات الجزائر واليمن وغيرها.

- زعامة العالم الثالث .. قادت مصر ( حركة عدم الانحياز ) مع الهند ويوغوسلافيا، وأصبح عبد الناصر أحد أبرز زعماء العالم في الخمسينيات والستينيات.

- التضامن الأفريقي .. دعمت مصر الثورة حركات التحرر في أفريقيا، وأصبحت القاهرة مقراً لكثير من هذه الحركات .

** التحديات والعداء الخارجي

واجهت ثورة يوليو عداءً شرساً من القوى الاستعمارية القديمة، خاصة بريطانيا وفرنسا، ومن القوى الجديدة مثل الولايات المتحدة وإسرائيل. وقد تجلى هذا العداء في عدة محطات:

1- العدوان الثلاثي 1956.. عندما قامت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل بغزو مصر بعد تأميم قناة السويس، لكنهم فشلوا بفضل مقاومة الشعب المصري وموقف الاتحاد السوفيتي والدول العربية.

2- حرب 1967 .. التي استهدفت إضعاف نموذج مصر الثورة وإيقاف زخمها التحرري في المنطقة.

3- الحصار الاقتصادي .. الذي فرضته الدول الغربية لمحاولة خنق التجربة الناصرية المصرية .

ثورة يوليو مستمرة في ذاكرة الأمة

رغم مرور أكثر من سبعة عقود على ثورة 23 يوليو، إلا أن إنجازاتها ما زالت حية في وجدان كل المصريين .. لقد كانت هذه الثورة مدرسة للتحرر الوطني والعدالة الاجتماعية، وأثبتت أن الشعوب عندما تتحد وتقرر مصيرها بيدي أبنائها، يمكنها أن تحقق المعجزات. ثورة يوليو لم تكن مجرد انقلاب عسكري كما يحاول البعض تصويرها، بل كانت ثورة شعبية بكل معنى الكلمة، شارك فيها الشعب المصري بكل فئاته ودفع ثمنها غالياً من دماء أبنائه في معارك التحرير والبناء .

اليوم، ونحن نحتفل بذكرى هذه الثورة المجيدة، علينا أن نستلهم منها دروساً عظيمة أولها أن الوحدة الوطنية هي طريق النصر، وأن الاستقلال الحقيقي لا يكون إلا بالاعتماد على الذات، وأن العدالة الاجتماعية هي أساس الاستقرار والتنمية. لقد أعطتنا ثورة يوليو كبرياء الانتماء لوطن حر مستقل، وعلينا أن نحافظ على هذا الإرث العظيم وأن نكممل مسيرة البناء والتنمية التي بدأها الآباء المؤسسون بتضحياتهم العظيمة.

"ثورة يوليو هي ثورة الغلابة" كما قال الرئيس الراحل جمال عبد الناصرقائد ثورة يوليو ، وهي بالفعل كانت ثورة الفقراء والمهمشين الذين وجدوا في الثورة أملهم في حياة كريمة، ولتظل هذه الثورة الكبرى التي قام بها الجيش المصري العظيم وحماها الشعب المصري الأبي، شعلة مضيئة في تاريخنا الوطني، ونبراساً يهدينا إلى مستقبل أفضل لمصرنا الحبيبة.

032be910418f.jpg
0d1cb4951e55.jpg
21d3242a47a2.jpg
2b7da0f83584.jpg
320f6a966fdb.jpg
4f80590f8103.jpg
68ad4364344a.jpg
6da63f1584b9.jpg
b0ee81f414a9.jpg
b97e3f014858.jpg
ccc9fc6cb581.jpg
db9a9ddffca9.jpg
محمد الشافعى ثورة 23 يوليو المجيدة: الثورة الأم البيضاء للتحرر المصرى العربى الأفريقى الجارديان المصرية