المسرحي جمال شبل يكتب : الدخان المسرحي.. جمال بصرى أم خطر صامت؟


في العديد من مسارحنا المصرية، بات استخدام الدخان أحد العناصر الأساسية في تصميم المشهد البصري، حيث يُعتقد أن تخلل الضوء لأدخنة المسرح يمنح الصورة عمقًا وجمالًا خاصًا. إلا أن ما يغيب عن الأذهان أحيانًا هو مصدر هذا الدخان، وطبيعته، والأهم من ذلك: مدى سلامته.
فالدخان الذي يعلو في فراغ المسرح لا يظهر من تلقاء نفسه، بل يصدر عن أجهزة كهربائية تُعرف بماكينات الضباب أو الدخان (Fog Machines)، والتي تعتمد على تبخير سائل مخصص – غالبًا مكوَّن من مواد كيميائية مثل البروبلين جلايكول أو الجلسرين – لإنتاج هذا التأثير المسرحي.
وهنا تطرح الأسئلة نفسها:
● هل يتم فحص نوعية هذا السائل قبل استخدامه؟
● هل يدرك مسؤولو التقنية ومديرو المسارح تركيبته الكيميائية، ومدى توافقه مع معايير السلامة للاستنشاق البشري؟
● هل تؤخذ تواريخ الصلاحية بعين الاعتبار، أم أن الأمر يُختزل في "أي زيت يُخرج دخانًا" دون تحقق؟
إن الزيوت المستخدمة في هذه الماكينات لا تُعد آمنة بالضرورة، خاصة إذا كانت منتهية الصلاحية أو مخزّنة بشكل غير سليم. بعض أنواع هذه الزيوت، إن لم تكن مطابقة للمواصفات، قد تنتج أبخرة مضرّة تُسبب تهيج الجهاز التنفسي، التهابات في العين، أو حساسية مزمنة – لا سيما في الأماكن المغلقة كالمسارح، حيث يتعرض الممثلون والعاملون لهذا الدخان لساعات طويلة ومتكررة.
وللأسف، يندر وجود رقابة واضحة أو لوائح ملزمة تُحدّد نوعية المواد المستخدمة في إنتاج الدخان المسرحي، مما يفتح الباب لاستخدام منتجات منخفضة الجودة، أو حتى منتهية الصلاحية، في غياب فحص دوري أو توثيق فني دقيق.
إن خطورة هذه المواد لا تقلّ – بل قد تفوق – بعض المخاطر الأخرى في بيئة المسرح، كالحرائق أو الأعطال التقنية، إذ أن تأثيرها الصحي بطيء وتراكمي، ويصعب الانتباه إليه في بداياته.
من هنا، تبرز الحاجة الماسّة إلى:
1. إعداد لوائح تنظيمية تُلزم المسارح باستخدام سوائل معتمدة فقط، وتحظر استخدام الزيوت مجهولة المصدر أو منتهية الصلاحية.
2. إدراج فحص هذه المواد ضمن إجراءات السلامة المسرحية.
3. توعية الكوادر الفنية والإدارية بالمخاطر الصحية المرتبطة باستخدام هذه المواد بشكل خاطئ.
4. فرض وجود "ملف فني كيميائي" في كل مسرح، يُوثّق نوعية السوائل، تواريخ استخدامها، وطرق تخزينها.
إن المسرح، بوصفه مساحة للإبداع والحرية والتنوير، لا ينبغي أن يكون بيئة تُعرّض مبدعيه للخطر.
فالجمال الحقيقي في الفن لا يأتي من مشهد بصري مبهر فقط، بل من بيئة عمل آمنة، تراعي صحة الإنسان، وتحترم قواعد السلامة .
"Safety first"