طارق محمد حسين يكتب : نفحات من السيرة النبوية(فداء عبدالله والدِ النبي).


وضع عبد المطلب ابنه عبدالله ، أمام الكعبة وأستعد لذبحه ،وكانت أندية قريش حول الكعبة . [ الأندية . هي عبارة عن مجالس لقريش ، كانوا يجلسون جماعات مع بعضهم البعض ، كل جماعة تجلس مع أصحابها اسمها أندية ، وتكون الكعبة أمامهم مباشرةً ، وكل ما يحدث عند الكعبة يرونه ] ، فلما استعد عبد المطلب لذبح عبدالله ، ضجت قريش كلها . وقام الناس من مجالسهم مسرعين ، حتى وصلوا الى عبد المطلب ، وأمسكوا بعبد الله وأبعدوه ، ثم صاحوا بأعلى صوتهم لا و اللات والعزى ، لا ندعك تذبحه حتى تعذر فيه ، [ أي حتى نجد حل لهذا النذر ] ، يا عبد المطلب : أنت سيد قومك ، وكبيرهم وقدوتهم ، إن ذبحت ولدك ، ستكون سُنة [ عادة ] في قريش ، قالوا لا ، لا لن ندعك تذبحه حتى تُعذر فيه . قال لهم .. وما الحل ؟؟ ، فصاح أحدهم ، فلنحتكم الى الكهان !! ، وصاح آخر ننطلق الى سحاج عرافة يثرب (المدينة المنورة ) ،ننطلق الى سحاج عرافة يثرب (امرأة اسمها سحاج كاهنة في يثرب) ، نسألها لعلها تجد لك مخرجا ، عرافة يثرب خير من يحل هذا الأمر ، فسكت عبد المطلب عن الكلام ، ولم يعد له سبيل لرفض كلامهم ، ونزلت عليه السكينة والارتياح ثم نظر الى القوم ،وقال : ننطلق الى سحاج عرافة يثرب ، فصاح الجميع وعلا صوتهم بالفرح ، انتشر الخبر في مكة كلها كالنار بالهشيم وضجت مكة بأصوات الفرح ، وأطلت النساء بفرح ينظرن الى عبد الله بشفقة ورحمة ، كانت كل فتيات مكة يتمنون عبد الله زوجاً لهن ، كان كل من نظر إليه يراه مكسواً بالجمال والهيبة والانوار، الكل ينظر إليه وينظروا الى صبره لهذا الموقف الصعب ، هذا الفتى الجميل صاحب الوجه المضيء ، إنه جميل وما أكثر الجمال في قريش ، ولكن جمالهُ نادر يشف عن جمال الروح ، ففي جماله شيء غريب ، نور يكسوه في وجهه شيئاً لا ترى مثله في وجه شباب قريش ، فركبوا جميعاً ، وانطلقوا إليها ، فلم يجدوها في يثرب ، كانت في خيبر ، فلحقوا بها الى خيبر ، فلما دخلوا على كاهنة يثرب ، نظرت إليهم تلك العجوز الكبيرة في العمر نظرة ذكاء وفراسة ، وقص عليها عبدالمطلب خبره وخبر ابنه عبدالله ، فقالت لهم: ارجعوا عني اليوم حتى يأتيني تابعي فأسأله فرجعوا من عندها، فلما خرجوا قام عبد المطلب يدعو الله، ثم غدوا عليها فقالت لهم: قد جاءني الخبر، كم الدية فيكم؟ قالوا: عشراً من الإبل، وكانت كذلك، قالت: فارجعوا إلى بلادكم، ثم قربوا صاحبكم وقربوا عشراً من الإبل، ثم اضربوا عليها وعليه بالقداح فإن خرجت على صاحبكم فزيدوا من الإبل حتى يرضى ربكم، وإن خرجت على الإبل فانحروها عنه فقد رضي ربكم ونجا صاحبكم. فخرجوا حتى قدموا مكة فلما أجمعوا على ذلك الأمر قام عبد المطلب يدعو الله، ثم قربوا عبد الله وعشراً من الإبل، ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله، فزادوا عشراً ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله، فزادوا عشرا فلم يزالوا يزيدون عشراً عشرا، ويخرج القدح على عبد الله حتى بلغت الإبل مائة، ثم ضربوا فخرج القدح على الإبل . وهكذا نجي عبد الله من الذبح بمشيئة الله.