الإثنين 18 أغسطس 2025 11:07 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

حسين السمنودي يكتب: النتن ياهو البطل الهمام

الكاتب الكبير حسين السمنودى
الكاتب الكبير حسين السمنودى

في سجل الشخصيات المأساوية الكوميدية في التاريخ، لا تجد نموذجًا أكثر إثارة للسخرية والاشمئزاز من شخصية "بنيامين نتنياهو"، أو كما يليق باسمه الحقيقي: "النتن ياهو". رجل يتفاخر ببطولاته الوهمية وهو لم يعرف من البطولة إلا قصف المستشفيات، ولم يتعلم من الشجاعة إلا ذبح الأطفال، ولم يحفظ من القيم الإنسانية إلا عكسها تمامًا. يخرج على العالم بوجه متجهم ولسان متعجرف، يوزع الأكاذيب كأنها حقائق، وينشر الدماء كأنها زهور ربيع.

النتن ياهو يتحدث دائمًا عن "ديمقراطية" كيانه، بينما هو أكثر من داس على أبسط معاني الإنسانية. يتحدث عن الأمن، بينما جيشه هو أكبر مصدر للرعب. يتشدق بحقوقه المزعومة، بينما حقوق الفلسطيني تُسلب أمام عينيه، في مشهد لا يحتاج إلى تفسير أو تأويل. ولأن عقليته لم تتجاوز مرحلة الكرتون، يتصور نفسه بطلًا خارقًا في رواية هزلية، لكنه بطل من ورق، تسقط أقنعته مع أول نسمة حق تهب في وجهه.

الرجل الذي يدّعي البطولة، يبيت ليله خائفًا من حجر صغير يلقيه طفل فلسطيني، ويرتعب من صيحة مقاوم يخرج من تحت الركام. بطولاته لا تُقاس بميادين الحرب الحقيقية، بل بعدد الأبرياء الذين يحصد أرواحهم، وعدد المنازل التي يحولها إلى ركام. أي بطولة هذه التي تحتاج إلى عشرات الطائرات والصواريخ لتقتل طفلة تبحث عن دميتها بين الأنقاض؟ وأي همام هذا الذي يفرح بتجويع شعب بأكمله ويعتبرها قمة الإنجاز؟

والمضحك المبكي أن "النتن" يتصور أن العالم يصدقه، بينما العالم كله يشاهد جرائمه مباشرة بالصوت والصورة. لكنه يراهن على صمت الغرب، ويعرف أن هذا الغرب المتحضر يغض الطرف عن جرائمه لأنه شريك فيها: يبيع له السلاح، ويمنحه الغطاء السياسي، ثم يتباكى أمام الكاميرات بدموع التماسيح. وأما العالم الفقير، فقد صار ضحية مزدوجة: يشاهد جرائمه وهو عاجز، ويعاني من ظلم النظام الدولي الذي يكيل بمكيالين.

لم يكتفِ النتن بجرائمه اليومية، بل حاول أن يضيف "بطولة جديدة" عبر مخطط التهجير إلى سيناء. خطط، ورتب، وتصور أن الأمر صفقة عابرة يمكن أن تتم على طاولة المساومات. لكنه اصطدم بمصر. هنا توقف غروره، واصطدم بجدار لا يُكسر. فمصر لم ولن تكون ممرًا لمخططاته. تاريخها الطويل يشهد أنها لا تبيع أرضًا، ولا تفرط في كرامة، ولا تسمح لأحد أن يعبث بأمنها القومي أو بهوية جارتها فلسطين.

النتن ياهو أراد أن يجعل من سيناء منفًى لغزة، متصورًا أن مصر ستخضع تحت إغراء الأموال أو وعود الغرب. لكن الرد المصري كان قاطعًا: "لا تهجير، لا تنازل، لا مساومة". موقف كشف للعالم كله أن البطولة الحقيقية ليست في عدد الدبابات، بل في الصمود على الحق. وأثبتت مصر أنها حائط الصد المنيع الذي يقف أمام غروره، ويمنعه من تحويل مأساة غزة إلى نكبة جديدة.

ولأن المواقف الصادقة لا تُشترى ولا تُباع، ظل الموقف المصري شوكة في حلق النتن وأعوانه، يفضح مشروعه أمام الملأ. لقد أراد أن يُسجل في التاريخ كبطل فاتح، لكنه يُسجل الآن كمجرم حرب، ومهرّج سياسي، وسمسار دماء، يبيع الوهم لشعبه ويشتري الكراهية من العالم كله.

وليس ذلك فحسب، فحتى داخل كيانه المزعوم، يعيش "النتن" حالة من العزلة والرفض. شعبه نفسه خرج عشرات المرات في مظاهرات غاضبة ضده، يصفونه بالفاسد، ويتهمونه بالمتاجرة بدماء الجنود والأبرياء من أجل بقائه على كرسي الحكم. قضايا الرشوة والاحتيال تطارده في المحاكم، والملفات السوداء تلاحقه في الصحف، لكنه يستميت في السلطة حتى لو كان الثمن هو جرّ كيانه كله إلى الهاوية. بات مكشوفًا للجميع أنه يستخدم الحروب كغطاء يلهي به الداخل عن فساده، وأن دماء غزة هي وقود استمراره السياسي.

فأي بطل همام هذا الذي لا يستطيع حماية مقعده إلا ببحر من الدماء؟ وأي زعيم هذا الذي يرتعد من كلمة قاضٍ أو ورقة تحقيق أكثر مما يرتعد من صاروخ يسقط على كيانه؟ إن النتن ياهو ليس إلا مهرجًا سياسيًا يلبس ثوب البطولة وهو في حقيقته لص صغير، سرق أصوات شعبه، ثم سرق أرض غيره، ثم يحاول الآن أن يسرق التاريخ نفسه.

وإذا نظرنا إلى الإعلام الغربي، نجد أنه واحد من أهم الأسلحة التي يتكئ عليها "النتن". فبينما يده ملطخة بالدماء، تحاول بعض الفضائيات والمجلات الغربية تلميعه وتقديمه في صورة "القائد الحامي"، وكأنها تمارس وظيفة "غسيل جرائم" جماعية. يظهرونه على أنه رجل الدولة الحكيم، بينما هو في الحقيقة "سمسار دماء" لا يعرف إلا الكذب والخداع. ينقلون روايته وحدها، ويغفلون عن آلاف الجثث تحت الركام، حتى صارت الشاشات عندهم مرآة مشوهة تخفي الحقيقة وتبيع الوهم. لكن، رغم هذا التلميع، تظل صور الأطفال تحت الردم، وصرخات الأمهات في الليل، أقوى من كل دعاية، وأبقى من كل إعلام مأجور.

أما جيشه الذي يصفه بـ"الأكثر قوة وتطورًا في المنطقة"، فليس إلا جيشًا من ورق. جيش اعتاد أن يواجه أطفالًا عزّل ونساءً محاصرات، لكنه عندما يواجه رجال المقاومة يتكشف ضعفه وهشاشته. كم من مرة أعلن النصر ثم انسحب مذلولًا؟ وكم من مرة تبجح بالقوة ثم عجز عن كسر إرادة بضع مئات من المقاتلين تحت الحصار؟ إن هذا الجيش الذي يتفاخر به النتن ليس إلا "فقاعة إعلامية" تسقط عند أول مواجهة حقيقية. ولعل أكثر ما يثير السخرية أن هذا الكيان الذي يغرق في ترسانات السلاح الأميركية، ترتعد فرائصه من نفق تحت الأرض، أو طائرة مسيّرة صنعت بمواد بسيطة داخل غزة المحاصرة.
إن "النتن ياهو" ليس بطلًا ولا همامًا، بل مجرد طاغية نتن، يظن أن دماء الأبرياء سلمٌ إلى المجد. لكنه نسي أن الدماء لعنة، وأن الظلم لا يدوم. سيذكره التاريخ لا كزعيم، بل كأحد أسوأ الكوارث الإنسانية في عصرنا. أما البطولة الحقيقية، فهي في صمود غزة تحت القصف، وفي وقوف مصر شامخة رافضة التهجير والمساومة، وفي كل حر يرفض أن يسكت أمام الجريمة. سيبقى "النتن" نتنًا إلى الأبد، وستبقى فلسطين حرة، وستظل مصر درعًا وسندًا، مهما علا صوته أو تكاثر غدره. وفي النهاية، لا يصح إلا الصحيح، ولا يبقى إلا الحق.

حسين السمنودي النتن ياهو البطل الهمام الجارديان المصرية