د. أروى محمد الشاعر يكتب : قصف قطر هلوسة مجنون يتنكر بثياب القوة


وهكذا يستمر اليوم العدو المارق الصهيوني في جرائمه حين اخترقت طائراته في التاسع من سبتمبر هذا العام سماء الدوحة، تحمل حقدها وصواريخها، لتضرب مبنى احتضن اجتماعًا لقيادات من حماس، في انتهاك سافر لسيادة قطر، وفي رسالة واضحة: أن هذه الحكومة الصهيونية المتطرفة لم تعد تحكمها قوانين الأرض ولا أعراف السماء، بل عقلية مهلوس مجنون، يقامر بمصير شعبه ودولته في لحظة غطرسة عمياء.
لقد امتدت يد الإرهاب الإسرائيلي إلى قلب مدينة عُرفت بأنها منبر وساطة وصوت سلام، فأرادت أن تحوّلها إلى ساحة إنذار: لا مكان آمن من طائراتنا.
هذا القصف لم يكن ضربة عسكرية بقدر ما كان صرخة ضعف متنكرة في ثوب قوة؛ دولة مأزومة، محاصرة بالفضائح والدماء، تحاول أن تصدر أزماتها إلى خارج حدودها، وتُثبت لشعبها أنها لا تزال قادرة على الوصول إلى كل مكان، لكنها في الحقيقة تعلن أن سلاحها لم يعد يميز بين جبهات القتال ومجالس التفاوض ، إن ما جرى في الدوحة هو جريمة مكتملة الأركان، حيث أن هذا الهجوم الهمجي هو انتهاك صارخ للسيادة القطرية، وخرق فاضح للقانون الدولي، ورسالة استهتار للأمم المتحدة والمجتمع الدولي. إنه اعتداء على كل صوت يؤمن بأن الصراع يمكن أن يجد طريقًا للحل عبر السياسة والمفاوضات.
لكن إسرائيل وهي تنفذ ضربتها، لم تدرك أنها أطلقت رصاصة على صورتها أمام العالم، فالدولة التي زعمت منذ نشأتها على أرض مسلوبة أنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط، أثبتت أنها كيان مارق لا يقيم وزنًا لأي قانون أو قيمة، وأنها تتصرف بمنطق العصابات لا بمنطق الدول.
إن العقلية التي تحكم تل أبيب اليوم هي عقلية الحاقد المحاصر بالخوف من الغد لعدم شرعيته، حكومة تعيش هاجس النهاية، فتظن أن الهروب إلى الأمام سيؤخر سقوطها، لكن التاريخ علّمنا أن كل كيان يتوسع على حساب دم الآخرين، ويستبيح أرضهم وأمنهم، إنما يحفر قبره بيديه.
ونقول للعالم: إذا كان الصمت جائراً أمام قصف غزة، فهل سيكون أيضاً الصمت مقبولًا أمام قصف الدوحة؟
إذا لم يتحرك المجتمع الدولي اليوم، فليعلم أن الغد قد يشهد ضربات مماثلة في عواصم أخرى، وأن القانون الدولي سيتحول إلى مجرد شعار أجوف.
إننا ندين هذا العدوان بكل قوة، ونعتبره مؤشرًا خطيرًا على أن المنطقة مقبلة على مرحلة أكثر جنونًا، ما لم يتم لجم هذه الحكومة الإسرائيلية المتطرفة، التي لم تعد تفرق بين حرب وجريمة، بين عدو ومفاوض، بين ميدان قتال ومدينة آمنة.
ولتعلم تل أبيب: أن السماء التي اخترقتها اليوم فوق الدوحة، قد تكون آخر سماء مفتوحة لها، وأن العالم وإن تأخر، سيكتشف أن هذا الكيان الذي بنى مجده على الحقد والكراهية يقترب من لحظة الانهيار، تمامًا كما يقترب المجنون حين يفقد وعيه من حافة الهاوية.
وكيف يمكن لأي دولة بعد اليوم أن تثق بأميركا لتحميها، وقد رأينا قطر التي تحتضن أكبر قاعدة عسكرية أميركية في المنطقة تُقصف في وضح النهار دون أن تتحرك تلك القواعد، أو يصدح صوتٌ أميركي بوقف العدوان؟!
إن هذه الضربة لم تستهدف الدوحة وحدها، بل استهدفت فكرة “المظلة الأميركية” التي طالما باعتها واشنطن لحلفائها.
لقد سقطت ورقة الوهم، واتضح أن الحماية الأميركية ليست سوى سراب إذا جاء الخطر، تترك المدن التي بحمايتها لمصيرها وتكتفي ببيانات الأسف والتحفظ.