مدحت الشيخ يكتب : لماذا لم يتعلم العرب ؟


التاريخ ليس دفتر ملاحظات نقرأه ثم نضعه على الرف، بل هو امتحان متكرر، إما أن نفهم فننجح، أو نغفل فنرسب. والعرب – مع الأسف – ما زالوا تلاميذ كسالى في مدرسة الحياة، يعيدون نفس الأخطاء، وكأنهم يصرّون على أن يظلوا في ذيل الصفوف.
منذ الأندلس إلى فلسطين، ومن نكسة 67 إلى غزو العراق، ومن انقسام السودان إلى مآسي سوريا وليبيا واليمن، الدروس تتوالى، لكن العقول مغلقة، والنتيجة واحدة: شعوب تدفع الثمن، وقيادات تغرق في الخطب والشعارات.
العراق كان نموذجًا واضحًا. بلد يطفو على بحر من النفط، لكنه غرق في الاحتلال والفوضى. سنوات من الدمار والدماء لم تعلّمنا أن الانقسام يفتح الأبواب على مصاريعها للتدخل الخارجي، وأن الطائفية سلاح أشد فتكًا من أي دبابة.
سوريا درس آخر. بلد كان يُضرب به المثل في الاستقرار، تحوّل إلى ساحة صراع دولي، تتقاسم القوى الكبرى أرضه وقراره، بينما ملايين من شعبه بين لاجئ ومشرد وضحية. ومع ذلك، ما زالت الأمة عاجزة عن قراءة المعادلة البسيطة: أن غياب الحل الداخلي يعني فتح الباب للآخرين ليقرروا بالنيابة عنا.
ليبيا، أغنى الدول العربية في مخزونها النفطي، صارت مسرحًا لميليشيات تتنازع السلطة وتستدعي التدخل الخارجي عند أول خلاف. لم نتعلم أن الثروة بلا وعي ولا مؤسسات تتحول إلى نقمة.
السودان الذي كان يومًا سلة غذاء العرب، انتهى إلى بلد ممزق بين شمال وجنوب، واليوم يواجه حربًا أهلية جديدة تهدد ما تبقى من وحدته. ألم نتعلم أن التهميش يولد الانفصال؟ وأن الصراعات الداخلية لا تورث إلا الخراب؟
أما فلسطين فهي الدرس الذي لم نحفظه منذ 1948 وحتى اليوم. ما زال الاحتلال ينهش الأرض، وما زالت الانقسامات الفلسطينية والعربية تعطيه قوة إضافية. نرفع الشعارات في كل قمة، لكننا لا نملك الجرأة لتوحيد الموقف الفعلي.
وفي كل مرة، نكرر نفس المشاهد: بيانات ختامية، قمم عاجلة، لجان متابعة، ومصطلحات منمقة، ثم تعود الأمور إلى نقطة الصفر.
الأمم الأخرى تعثرت لكنها نهضت. اليابان نهضت من تحت الرماد، أوروبا تجاوزت حربين عالميتين، وكوريا الجنوبية تحولت من الفقر إلى القمة في التكنولوجيا. أما نحن فما زلنا نعيش على حكايات الماضي، ونتجادل على التفاصيل الصغيرة بينما تضيع القضايا الكبرى.
لماذا لم نتعلم؟ لأننا بارعون في الخطابة ضعفاء في الفعل، نملك الثروة ونفتقد الإرادة، نعرف الداء ونتجنب الدواء. لأننا نخشى مواجهة الحقيقة، ونستسلم لفكرة أن المؤامرة الخارجية وحدها السبب، مع أن المؤامرة لا تنجح إلا حين تجد ثغراتنا مفتوحة.
لقد تعب التاريخ من تكرار دروسه علينا، وتعبت الشعوب من دفع الفاتورة. ومع ذلك، يبقى الأمل: أن ندرك – ولو متأخرين – أن التغيير يبدأ من الداخل، وأن النهضة ليست مستحيلة.
السؤال لم يعد: لماذا لم نتعلم العرب؟ بل: متى سنقرر أن نتعلم؟