الأحد 21 سبتمبر 2025 07:48 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

عبدالرحيم حشمت عسيرى المحامي يكتب : لك الله يا مصر

عبدالرحيم حشمت عسيرى المحامي
عبدالرحيم حشمت عسيرى المحامي

بعد الغارة الجوية المكونة من خمسة عشر طائرة حربية مقاتلة المزودة بأحدث الأسلحة المدمرة التي شنتها اسرائيل على العاصمة القطرية الدوحة لتصفية قادة حماس المتواجدين على أراضيها بمنتهى الغطرسة والخسة والشراسة بعد حصولها على الضوء الأخضر الأمريكي .. لم تكتف اسرائيل بهذا العدوان الإرهابي بل أعلنت الحرب على قطر رسميا على الملأ وبمباركة أمريكية متوقعة من مقر مجلس الأمن الدولي على لسان سفيرها في الأمم المتحدة عندما خير قطر بين طرد قادة حماس أو الاستعداد لتلقي ضربات اسرائيلية جديدة .. ليس هذا فحسب بل هدد أيضا بقصف أية عاصمة عربية أخرى في حالة تواجد قيادات حماس على أراضيها في تلميح واضح لمصر .
وفي التو واللحظة جاء الرد من القاهرة على هذ التهديد كالصاعقة على لسان أحد الضباط السابقين في الجيش المصري العظيم موجها أقوى تهديد لإسرائيل على الاطلاق من خلال لقاء حواري على شاشة التليفزيون المصري حينما قال بالنص "لو تحركت مقاتلات اسرائيلية لاستهداف مصر فلن تجد مكانا ولا دولة لتعود إليها" .. لا فض فوك أيها المقاتل المصري على اطلاق هذا التهديد القوي للكيان الصهيوني المتغطرس الغبي .
انعقدت القمة العربية الإسلامية الطارئة التي دعت إليها قطر في الدوحة يوم 15 سبتمبر الجاري وشاركت فيها 57 دولة عربية واسلامية وأكدت في بيانها الختامي على التضامن المطلق مع قطر ضد العدوان الاسرائيلي والوقوف معها في كل ما تتخذه من خطوات وتدابير للرد على هذا العدوان الغادر .. كما أدانت القمة جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والتجويع والحصار والتوسع والاستيطان التي ترتكبها اسرائيل في غزة كما أكدت على ضرورة مراجعة العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل واتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة ضدها .. لكن الملاحظ هنا أن توصيات القمة العربية الاسلامية لا تزيد عن كونها عبارات انشائية رنانة خالية من أية إشارة أو تلويح باستعمال القوة مما خيب آمال وطموحات الشعوب العربية والاسلامية على امتداد الخريطة الجغرافية .
والسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو لماذا لم يطرح الرئيس عبدالفتاح السيسي فكرة تشكيل قوة عربية مشتركة أمام قمة الدوحة ؟ .. رغم التحديات الصعبة التي تواجه الأمة العربية التي من المفترض أنها تحول هذه القوة المنشودة من مجرد دعوة إلى واجب وحق وفريضة في هذه المرحلة قبل أي وقت مضى .. أظن أن المانع من طرح هذه القضية المهمة على قمة الدوحة هو غياب الإجماع السياسي بين الدول العربية والاسلامية المشاركة نظرا لاختلاف مواقفها وأولوياتها السياسية وتشابك مصالحها الوطنية وتباين المخاطر والمخاوف المحدقة بها .
إذن الدعوة لتشكيل قوة عربية مشتركة التي أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ عشر سنوات مازالت قائمة وسيتم اطلاقها مرة أخرى عما قريب .. ذلك لأن هذه الدعوة أصبحت ضرورة قومية قصوى لا تحتمل التأجيل أو المساومة لتكون أداة لمواجهة التحديات التي تواجه الأمن القومي العربي وبمعنى أكثر دقة لتكون قوة ضاربة لحماية الأعضاء الذين سيشاركون في تشكيلها من أي عدوان خارجي .. خصوصا بعد اجتياح إسرائيل لقطاع غزة بعد انتهاء قمة الدوحة بساعات قليلة في تحد وقح لهذه القمة وخرق صارخ للقانوني الدولي وغياب فاضح للأمم المتحدة .
ولا غرابة في أن تسارع قطر عقب الانتهاء من أعمال القمة العربية الاسلامية مباشرة إلى إجراء مفاوضات ثنائية مع الولايات المتحدة الأمريكية لتجديد الاتفاقية الدفاعية المشتركة بين البلدين وعقد صفقة أسلحة لشراء معدات دفاعية متطورة بمبلغ 2 مليار دولار قابلة للزيادة تحسبا لتلقي ضربات جوية اسرائيلية جديدة .. ولا عجب في قيام الرئيس الأمريكي الذي اعتاد على إدارة السياسة الدولية بعقلية البلطجي بابتزاز الدوحة حيث طلب منها تقديم دعم مالي اضافي لحمايتها من تكرار الهجوم الاسرائيلي !! .. على طريقة "هتدفع ولا أسلطه عليك" .. فعلا شر البلية ما يضحك .
أما المملكة العربية السعودية فأبت إلا أن تنتهج نهج شقيقتها الصغرى قطر حيث سارعت هي الأخرى عقب الانتهاء من أعمال القمة العربية الاسلامية مباشرة إلى توقيع اتفاقية دفاع مشترك مع باكستان لنفس المخاوف ولذات الأسباب وإذا لم يكن الأمر كذلك فلماذا اختارت المملكة هذا التوقيت بالذات لعقد مثل هذه الاتفاقية مع باكستان إذا لم يكن لديها مخاوف حقيقية من ضربات جوية اسرائيلية محتملة !! .. والسؤال الذي يجول بخاطر كل عربي حر شريف هو لماذا لم تعقد المملكة هذه الاتفاقية مع جمهورية مصر العربية ؟ .. لك الله يا مصر .
لكن من يتمعن النظر في حالة قطر يلتمس لها بعد العذر عذرا .. حيث أن ارتماء الإنسان في أحضان العدو والاحتماء به رد فعل سلوكي وارد في حالة الخوف الشديد الذي يؤدي بالإنسان إلى انعدام القدرة تماما على تقدير المواقف بشكل صحيح مما يعطل لديه ملكة استغلال مهاراته في حل مشاكله ويدفعه دفعا إلى الاعتقاد بأن العدو هو نفسه الحماية الوحيدة المتاحة أمامه .. مما يؤدي بدوره إلى مزيد من الانبطاح والتبعية والإذلال والمهانة .
وهنا أتساءل فأقول هل تسقط كل من قطر والسعودية من حسابات مصر القومية بعد ابرامهما اتفاقيتي دفاع مشترك مع كل من أمريكا وباكستان فتقتصر دعوتها لتشكيل قوة عربية مشتركة على الكويت والامارات والبحرين والأردن فقط .. نظرا لما بين مصر وهذه الدول العربية الأربعة مجتمعة من قواسم قومية مشتركة لا يتوافر الحد الأدنى منها في كل من قطر والسعودية وخصوصا قطر التي لا يمكن الوثوق فيها أبدا .
فلا يختلف اثنان من المهمومين بالشأن العام على الدور الكبير الذي لعبته قطر في تدمير العراق وليبيا وسوريا وتفكيك جيوشها ونهب ثرواتها وإذلال شعوبها ومحوها من على الخريطة وكذلك وقوفها بشكل أو بآخر خلف العدوان على اليمن والسودان ولبنان وغزة والذي كان له تأثير كارثي على حاضر الأمة ومستقبلها .. ولا عجب في تنافس بقية الدول العربية في ذلك الوقت وفي كل وقت على اصدار بيانات التنديد والشجب والادانة التي لا تسمن ولا تغني عن جوع كالعادة .. وهذه نتيجة طبيعية للغاية .. فماذا ننتظر من أمة ضعيفة مفككة تعاني من الانقسام على نفسها وتفتقد لأدنى درجات الثقة فيما بينها ؟ .. غير اللطم على الخدود والبكاء على اللبن المسكوب واصدار بيانات الشجب والادانة ؟ .
فهل يتعظ ما تبقى من الدول العربية على الخريطة الجغرافية من التدمير والتقسيم والتخريب الذي لحق بالأشقاء بسبب الفرقة ؟ .. وهل تستغل هذه الفرصة التاريخية فتثق في مصر وتقف معها على قلب رجل واحد ؟ .. أم ستخذلها كالعادة وتظل هذه الدول هائمة على وجهها لا تعرف عدوها من شقيقها ؟ .. وهل ستعيد النظر في علاقاتها مع أمريكا العدوة اللدودة راعية الارهاب في العالم ورافعة لواء البلطجة في المنطقة ؟ .. أم ستظل هذه الدول واهمة في حماية أمريكية ثبت بالأدلة القطعية أنها أكبر أكذوبة على وجه الكرة الأرضية ؟ .. كما هو الحال بالنسبة لقطر التي أصابها العدوان بعدم الاتزان فارتمت في أحضان عدوها بدلا من أن تلوز بأشقائها .
لكن كيف نسيت الدول العربية المتحالفة مع الولايات المتحدة الأمريكية أو تناست المشاهد المأساوية للأمريكان حينما هربوا بجلودهم من افغانستان تاركين خلفهم عملائهم وقواعدهم واسلحتهم وعتادهم ؟ .. وبالمناسبة هذه ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يهرب فيها الأمريكان من دولة ظن الناس أنهم باقون فيها إلى قيام الساعة .. فكل الشواهد والتجارب والدلائل تؤكد بما لا يدع مجالا للشك على أنه في حالة وقوع خسائر فادحة في أرواح الأمريكان في أية دولة بصرف النظر عن سبب تواجدهم فيها سيهربون منها كالفئران وهم يجرون أذيال الخيبة والندامة والخسران .
ولا غرابة في ذلك فقد هرب الأمريكان من قبل بنفس الأسلوب وبذات الطريقة من فيتنام بعد تجرعهم هزيمة منكرة .. كما هربوا كذلك من لبنان بعد مقتل 220 جنديا وضابطا من المارينز دفعة واحدة .. كما هربوا أيضا من الصومال بعدما تلقوا ضربات موجعة من المقاومة الصومالية البطلة .. وغير ذلك العديد من حالات الهروب المخزية الأخرى .. التي تخلى فيها الأمريكان عن حلفائهم في اللحظات الحرجة بمنتهى الجبن والنذالة .. وفي ذلك عبرة لمن أراد أن يعتبر من هذه الأمة التي تعشق ضياعها وتجهل تاريخها وتصر على ألا تتعلم من أخطائها .
ولا أدري لماذا لا تتغطى الأمة العربية –هذه المرة على سبيل التجربة– بشقيقتها الكبرى مصر أم الدنيا التي حمتها فيما مضى وأطعمتها وكستها وعلمتها دون مقابل أو منة وقتما كانت أمة ضعيفة فقيرة جاهلة قليلة حيلة لا حول لها ولا قوة ؟ لماذا لا تثق الأمة العربية في هذه المرحلة المفصلية في مصر صاحبة الأيادي البيضاء التي تفي بالوعود وتصون العهود ولم تعتد يوما أو تكذب أو تطمع أو تبتز أو تغدر أو تخون ؟ .. مصر التي أعطت لأمتها كل شيء ولم تأخذ منها سوى الخذلان ونكران الجميل .. مصر التي وضعت على عاتقها مسئولية القضية الفلسطينية دون أن تكل أو تمل وخاضت من أجلها خمسة حروب مدمرة .. مصر التي بذلت خلال تلك الحروب الخمسة دماء وأرواح أنبل وأعز وأكرم أبناءها وتكبدت فيها خسائر اقتصادية فادحة كانت السبب المباشر في تخلفها عن ركب الأمم والشعوب المتقدمة وما زالت تعاني من الآثار المدمرة لتلك الحروب الخمسة على المستويات كافة إلى هذه اللحظة .
ثم بعد هذا كله تحملت مصر بطول بال وسعة صدر خيانة وغدر حماس عندما استغلت الفراغ الأمني الذي حدث عقب اندلاع ثورة 25 يناير مباشرة وانشغال الجيش والشرطة بتداعيات الثورة فانتهكت حماس الإرهابية السيادة المصرية واقتحمت الحدود واستباحت الأرض على طريقة الذئاب المنفردة وفتحت السجون وهربت مساجين حزب الله وأطلقت بقية المساجين فانتشروا في هذه الأرض المباركة كالضباع الضالة وخطفت ثلاثة ضباط وأمين شرطة مازال مصيرهم مجهول إلى هذه اللحظة وقتلت جنودنا وهم صائمون بمنتهى الجبن والوحشية والخسة .
ومازالت مصر تتحمل بصبر عجيب وكبرياء فريد حقارة وسفالة قادة حماس الذين تناسوا أننا شركاء في الهم والدم فتطاولوا علينا شعبا وجيشا وقيادة وأنكروا تضحياتنا التاريخية من أجل القضية وشوهوا رموزنا الوطنية بمناسبة وبلا مناسبة واستولوا على مساعداتنا وباعوها في السوق السوداء ولم يقيموا وزنا لمعاناة أشقائنا في غزة ورغم ما ارتكبته حماس في حقنا من جرائم بشعة لم ولن تتخل الدولة المصرية عن القضية الفلسطينية لأنها ببساطة شديدة قضيتنا الأولى منذ نكبة سنة 1948م إلى عصرنا هذا .. وهكذا دائما وأبدا ما يكون دور الشقيق الأكبر .
وعودة إلى قطر التي حذرتها مصر قبل وقوع العدوان الصهيوني بوقت كافي ، وأعلنت منذ اللحظة الأولى للعدوان موقفها الداعم لقطر ، وصرحت على لسان مندوبها في مجلس الأمن بقوله "قطر ليست وحدها أمنها من أمن مصر بل الأمن القومي العربي بأسره من أمن مصر" ، كما أعلنت مصر على لسان الرئيس البطل عبدالفتاح السيسي تضامها الكامل مع قطر في اتصال هاتفي مع الأمير القطري عقب الهجوم الاسرائيلي .
أما إذا أردنا أن نلقي نظرة سريعة على إحدى جرائم قطر في المنطقة فصدق أو لا تصدق أن قطر قامت –بالاشتراك مع السعودية والأردن وامريكا وتركيا– بتدمير سوريا وتغيير نظامها السياسي وأنشأت لهذا الغرض غرفتي عمليات إحداها في الأردن والثانية في تركيا ورصدت هذه الدول الخمسة ميزانية ضخمة لتحقيق أهدافها التدميرية في سوريا وهي مبلغ وقدره / 2000 مليار دولار أمريكي نعم الرقم صحيح ألفين مليار دولار أمريكي بالتمام والكمال !! .. كما جاء على لسان رئيس وزراء قطر السابق بالحرف الواحد في أحد لقاءاته التلفزيونية بعدما ترك السلطة .
انظر إلى هذا المبلغ الخرافي 2000 مليار دولار أمريكي الذي رصدته كل من السعودية وقطر والأردن وأمريكا وتركيا لتدمير سوريا وتغيير نظامها السياسي !! .. فعلا إنه لرقم مهول وصادم للأحاسيس والمشاعر إذا سمعه عربي مطحون في السياق الذي ذكر فيه ولم يتمالك أعصابه ويسيطر على مشاعره حتما سيصاب بالبلاهة والجنون .. ولا يخفى أن في هذه الميزانية التخريبية الضخمة دلالة كبرى على ألا سياسة في الدين ولا دين في السياسة .
فهل يأتي يوما تعترف فيه قطر بالجرائم الكبرى التي ارتكبتها في حق هذه الأمة ؟ .. وهل تعترف بصغر حجمها وحداثة تاريخها وتعود إلى رشدها وتتعافى من مرض تضخم الذات الذي ألم بها ؟ .. وهل تندم على خيانتها وتعقد العزم على ألا تعود لسابق عهدها ؟ .. وهل تتوقف عن إشعال الفتن وتزكية الصراعات والتدخل في الشئون الداخلية للشعوب والأمم ؟ .. وهل تتوقف عن تبديد الأموال القطرية في الانفاق على الجماعات الإرهابية لنشر الفوضى وزعزعة استقرار الدول الآمنة وسفك الدماء البريئة لإسقاط الأنظمة الوطنية كما حدث في عدد من البلدان العربية ؟ .
والأهم مما سبق هل تتوقف قطر عن معاداة مصر بسبب وبدون سبب ؟ .. وهل تتحرر من عقدة النقص التي تعاني منها في مواجهة مصر ؟ .. أم أنها ستظل تعاني من هذه العقدة التاريخية القاتلة كلما تذكرت ما قدمته لها مصر في عهد الزعيم الخالد جمال عبدالناصر قبل اكتشاف النفط من أموال وكساء وأحذية ، وطعام ودواء ومدرسين وأدوات دراسية .. لمقاومة الجوع والعراء ، والجهل والمرض والحفاء ؟ .

عبدالرحيم حشمت عسيرى المحامي لك الله يا مصر الجارديان المصرية