الثلاثاء 30 سبتمبر 2025 07:46 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

د. هانى المصرى يكتب : قائد برؤية ثاقبة… كيف حصّن السيسي مصر من ابتزاز المياه

د. هانى المصرى
د. هانى المصرى

في خطوة أثارت الكثير من علامات الاستفهام، أقدم رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد على فتح بوابات سد النهضة بشكل مفاجئ، ما تسبب في حالة من الفوضى المائية في السودان وتهديدات مباشرة للأمن القومي المصري. والسؤال المطروح اليوم: هل ما جرى مجرد إجراء فني بحت، أم أن وراءه مخططًا سياسيًا معقدًا يستهدف جر مصر إلى مواجهة عسكرية مع إثيوبيا؟

توقيت مشبوه ورسائل خطيرة

التوقيت الذي اختاره أبي أحمد ليس بريئًا؛ فقد جاء في لحظة إقليمية حساسة:

في غزة: تتصاعد التوترات، وتترقب تل أبيب أي فرصة لإشغال مصر عن حدودها الشرقية.

في إثيوبيا: النظام الحاكم يواجه أزمات داخلية خانقة وحروبًا أهلية متفرقة، ويبحث عن "عدو خارجي" يوحد الداخل خلفه.

في المنطقة: محاولات دولية لدفع الأطراف العربية نحو استنزاف مواردها بعيدًا عن قضاياها الجوهرية.

ويبدو أن الحسابات الإثيوبية تراهن على أن مصر، حفاظًا على أمنها المائي، قد تضطر إلى التحرك عسكريًا، بما يفتح جبهة جديدة تستنزف قدراتها، ويمنح إسرائيل فرصة للضغط في ملف غزة، عبر سيناريو دفع الفلسطينيين نحو سيناء.

رؤية مصرية ثاقبة واستعداد مبكر

لكن ما لم يحسب له أبي أحمد حسابًا، هو أن القيادة المصرية كانت أسبق منه بخطوات.
فقد أدرك الرئيس عبد الفتاح السيسي منذ سنوات أن ملف المياه قد يتحول إلى ورقة ضغط، ولهذا أطلق سلسلة من الإجراءات الاستباقية:

حفر القنوات وتبطين الترع لرفع كفاءة شبكات الري وتوفير مليارات الأمتار المكعبة من المياه.

مشروع النهر الصناعي بالصحراء الغربية، الذي يعد شريانًا مائيًا استراتيجيًا يؤمن مستقبل الأجيال القادمة.

التوسع في محطات تحلية المياه كمصدر بديل يعزز الأمن المائي المصري.

هذه الخطوات لم تكن مجرد مشروعات تنموية، بل كانت درعًا واقيًا يضمن أن أي محاولات لابتزاز مصر مائيًا ستفشل، وأن ورقة السد الإثيوبي لن تتحول إلى "قنبلة مائية" تهدد استقرار الدولة.

مصر… لن تُستدرج

لقد أثبتت التجربة أن مصر لا تنجر إلى معارك تختارها الأطراف الأخرى، بل تختار هي توقيت الرد وأسلوبه بما يحقق مصلحتها العليا.
والقيادة المصرية تدرك أن السد الإثيوبي، رغم الضوضاء الإعلامية التي يحيط به أبي أحمد، هو سد هش، بُني على حساب معاناة الشعب الإثيوبي، ولا يمكن أن يكون أداة لابتزاز مصر، الدولة صاحبة التاريخ الأعرق والقدرات العسكرية والاقتصادية والسياسية التي تؤهلها لحماية أمنها القومي.

الخلاصة يا سادة

ما حدث من فتح بوابات السد لم يكن سوى مناورة سياسية فاشلة، أراد بها أبي أحمد إشعال فتيل أزمة كبرى، لكنه اصطدم بواقع أن مصر دولة ذات رؤية، وقائدها يعمل بعقلية استراتيجية تستبق التحديات.
ويبقى الدرس واضحًا:

أن الأمن القومي المصري خط أحمر، لا يمكن تجاوزه.

أن الجيش المصري لا يُستدرج، بل يتحرك فقط حين تكون مصلحة مصر هي البوصلة.

وأن مشروعات المياه العملاقة في مصر ليست مجرد تطوير، بل سلاح استراتيجي صامت يحمي الشعب من أي ابتزاز.

مصر لا تُخدع، ولا تُستدرج، بل تقرر متى وكيف تواجه… وحين تواجه، فهي لا تعرف سوى النصر.

د. هانى المصرى قائد برؤية ثاقبة… حصّن السيسي مصر من ابتزاز المياه