الثلاثاء 30 سبتمبر 2025 07:45 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الإعلامى الكبير محمد جراح يكتب : إعلام مصر الإقليمي

الإعلامى الكبير محمد جراح
الإعلامى الكبير محمد جراح

كان السيد صفوت الشريف وزير الإعلام الأسبق ، ورئيس مجلس الشورى في السنوات الأخيرة من حكم الرئيس محمد حسني مبارك كريماً في إطلاق العديد من الخدمات الإذاعية والتليفزيونية ابتداء من عقد الثمانينيات حتى اكتملت المنظومة التي أرادها في التسعينيات من القرن الماضي، وهي التجربة التي شهدت وفاة إذاعة "الشعب" وكانت إذاعة مركزية بدأت في الخمسنيات لتهتم بطبقتي العمال والفلاحين، وميلاد إحدى عشرة إذاعة محلية تشمل معظم ما أطلق عليها مصطلح الأقاليم، ومن ثم صارت الإذاعات المحلية إذاعات إقليمية حسب التوصيف المستحدث، بالإضافة إلى ثماني قنوات تليفزيونية تكاد تناظر عدد الإذاعات إلا قليلاً، ويضمها قطاع القنوات الإقليمية "المحروسة"، وتضطرني الظروف الراهنة التي تمر بها منظومة الإعلام المصري بما تشتمل وتدل عليه من ترهل ووهن إلى طرح سؤال مهم وهو:
هل حققت الإذاعات والقنوات المحلية أو الإقليمية الغرض من بثها؟، هل استطاعت تلك المنابر أن تعبر عن مجتمعها؛ واستقطبت الناس في تلك المجتمعات أو الأقاليم؟!، وهل شكلت وما تزال تشكل أهمية لهذا المواطن في هذا الإقليم أو ذاك؟!.
قد يتحرج البعض في الإجابة لاعتبارات تخصهم، وقد يجامل آخرون حياء، وربما كانت هناك قلة لا هم لها إلا المصلحة العامة فيقولون لا دونما لبس او مداراة!، ولا هنا لها أسبابها التي نتعرض لها في سطورنا هذه دون أن ننسى أننا جزء من أمة العرب ، وأمة العرب هوايتها دائماً الجدل والكلام، لا هذه تعيدنا إلى الزمن الذي أطلقت فيه تلك الخدمات الإذاعية والتليفزيونية لنتساءل: على أي أساس كانت الدراسات التي أوصت بإطلاق مثل تلك الخدمات؟، وهل كانت تلك الخدمات قد استوفت شروط إطلاقها؟!.
ولأنني من المبتلين بحب الإعلام وانغمست حتى النخاع بالعمل فيه أستطيع القول إن الظروف والإمكانيات لم تكن تسمح بإطلاق مثل تلك الخدمات الإعلامية ليس في وقتها ولكن من الأساس، فمن المؤكد أن المصريين جنوباً وشمالاً يعرفون جيداً أننا نسيج واحد، فلا توجد فوارق جوهرية بين هذه المحافظة أو تلك، ولا يوجد بيننا كذلك تباين في أنماط العمل والإنتاج فنقول إن هذا مجتمع زراعي، وذاك مجتمع صناعي وهكذا؛ إلا من سمات وصفات بسيطة لا أثر واضح لها على أرض الواقع ولا تجافي خيوط النسيج.
كانت إذاعة "مع الشعب" السابق الإشارة إليها والتي تغير اسمها إلى إذاعة "الشعب" فيما بعد تتولى هي أمر الإعلام المحلي الشعبي، ومن ثم غلب على خطابها الطابع الممثل للأغلبية السكانية المكون من العمال والفلاحين الذين وضعتهم القيادة السياسية نصب عينيها، لكن السيد صفوت الشريف رأى بعد أن شارفت أو بالفعل اكتملت منظومة الإعلام الإقليمي أن يوقف بث تلك الإذاعة المركزية في السنوات الأولى من عقد التسعينيات من القرن الماضي، وربما لو كنت في مكانه ما كنت قد اتخذت قراراً يمثل تلك الرؤية القاصرة، ولكنت قد أبقيت عليها لتصير مثلها مثل أي قناة أو شبكة إذاعية مركزية، واعتبار الخدمات التي تم إطلاقها بمثابة مكاتب لها في أقاليمها، بمعنى أن يقوم هذا المكتب أو ذاك بتجميع المواد الإعلامية من إقليمه لتذاع من خلال تلك الإذاعة المركزية ليكون المستمع في كافة أرجاء الوطن على علم بما يجري في المجتمع المحلي لهذه المحافظة أو تلك، وكان يكفي المكتب فريق عمل كفء قد أحسن تدريبه وصقله وتزويده بالأدوات والوسائل التي تمكنه من إنجاز مهامه، لكن القرار والرؤية كانت من حق الوزير فألغى ما كان يستحق التطوير واستحدث ما ولد من يومه الأول مفتقداً إلى معظم أدواته وربما حتى يومنا هذا.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد فمثلما حدث في الإعلام المسموع حدث في الإعلام المرئي، فتوالدت الخدمات التليفزيونية المحلية أو الإقليمية الواحدة تلو الأخرى حتى صارت ثماني قنوات تمثل معظم الأقاليم التي تبث منها افذاعات باستثناء سيناء، وكانت النتيجة أن الفضاء الإعلامي شهد ميلاد قنوات فقيرة في موادها ولم تكن هناك حاجة ماسة لوجودها ، وكان يكفي أن تكون هناك قناة مركزية تهتم بالشأن المحلي وتقوم بالتخديم عليها مجموعة المكاتب الإعلامية السبق الإشارة إليها في شق الإعلام المسموع ، ولم يكن الأمر يستدعي وجود غذاعات وقنوات ومقرات ودرجات وظيفية ، كان يكفي مكتب على غرار المكاتب الإعلامية الخاصة بالقنوات الكبرى المنتشرة حول العالم مزود بفريق عمل مؤهل من المذيعين والمراسلين المستعدين دائماً لمواكبة الأحداث والتعبير عن البيئة المحلية التي يعملون على ارضها
ادعو السيد أحمد المسلماني رئيسالهيئة الوطنية للإعلام إلى إعادة النظر في تجربة الإعلام المحلي أو الإقليمي فلربما كان ما اقترحته فيه فائدة خصوصاً وكما أشرت أن المجتمع المصري مجتمع متجانس إلى حد كبير ولا توجد فوارق تستدعي مثل ذلك البذخ الكمي المفتقد إلى أبسط مقوماته، وقد يكون من المهم الاسنقفادة من موجات وترددات الإذاعات والقنوات في تقوية الإذاعة أو القناة المركزية، تجربة الإعلام الإقليمي بحاجة إلى قرار جرئ بإعادة النظر في التجربة، وأعتقد أن السنوات الماضية كاشفة عن كل قصور في التجربة التي صارت فيها الإذاعات والقنوات مجرد موجات وترددات تتشابه في كثير مما تبثه الفذاعات والقنوات العامة والمركزية.
ليس عيباً أن نراجع ونطور، لكن العيب أن نغمض الطرف ولا نصلح ما وقعنا فيه من أخطاء.

الإعلامى الكبير محمد جراح إعلام مصر الإقليمي الجارديان المصرية