مدحت الشيخ يكتب: أكتوبر… انتصار الشعب والجيش على كل الظروف

لم يكن انتصار أكتوبر المجيد وليد الصدفة، بل كان نتيجة إرادة وطنية صلبة، وجهد لا يلين، وإعداد دقيق امتد لسنوات، مع تخطيط استراتيجي محكم وعمل دؤوب مستمر، كل ذلك مصحوب بإخلاص نادر وعزيمة فولاذية على صناعة المستحيل. في أوقات صعبة، حين بدت الأمور وكأنها تدعو لليأس، استطاعت مصر أن تحول الهزيمة إلى قوة، والألم إلى طاقة، لتثبت للعالم أن الإرادة الوطنية قادرة على تجاوز كل العقبات.

بعد نكسة 1967، كانت مصر تواجه خسائر فادحة على كل الأصعدة. فقدت نحو 80% من معداتها العسكرية، وتراجع النمو الاقتصادي بشكل ملموس، وتوقفت إيرادات قناة السويس التي كانت تمثل نحو 4% من إجمالي الناتج المحلي، إضافة إلى تدمير المنشآت الصناعية الكبرى وفقدان جزء كبير من القوة البشرية، وما صاحب ذلك من توقف السياحة وخسائر اقتصادية جسيمة. كل هذه الظروف كانت كفيلة بإحباط أي شعب، لكنها لم تثنِ المصريين عن النهوض.

وفي مواجهة الاحتلال الكامل لشبه جزيرة سيناء، تجلت العزيمة المصرية في أبهى صورها. الجيش والشعب المصريان، مسلحان بالإخلاص وحب الوطن، حوّلوا الألم إلى قوة، واليأس إلى تصميم، والخسارة إلى استراتيجية للعودة أقوى من قبل. أثبتوا أن الإرادة الوطنية لا تُقهر، وأن حب الوطن قادر على صنع المستحيل.

حرب أكتوبر لم تكن مجرد صراع عسكري لاستعادة الأرض، بل كانت ملحمة تاريخية واجتماعية تعكس معدن الإنسان المصري. كانت إعلانًا عن قوة الإرادة، وعن روح لا تعرف القهر، وعن قدرة المصريين على مواجهة أصعب الظروف وتحقيق ما يبدو مستحيلاً. لم تكن الانتصارات مجرد ضربات عسكرية، بل كانت دروسًا في الشجاعة والتضحية، وتفاني الشعب والجيش في سبيل الوطن، وصناعة مجد لم يسبق له مثيل.

روح أكتوبر ليست ذكرى عابرة، بل هي سلاح استراتيجي لكل زمان. في السياسة، الاقتصاد، التعليم والتنمية، يجب تفعيل روح أكتوبر لتكون وقودًا للنهوض الوطني، وتعزيز استقلال مصر وقوتها. لم تهزمها المؤامرات الخارجية، ولم تقوَ عليها الإمدادات الأجنبية، فهي قوة نابعة من الداخل، من إخلاص المصريين وإيمانهم بوطنهم.

أكتوبر لم تكن مجرد حرب لاستعادة الأرض، بل كانت انتصارًا للروح المصرية على كل العقبات والصعاب. أثبتت أن مصر، بجيشها وبأبنائها، قادرة على النهوض دائمًا، وأن إرادة الأمة أقوى من كل المؤامرات. روح أكتوبر يجب أن تعود، لتكون المنهج الذي يقود مصر نحو مستقبل أفضل، مستقبل يليق بعظمة الشعب المصري وبحجم تاريخه، مستقبل تصنعه الإرادة، الإخلاص، وحب الوطن.