نجلاء عمارة تكتب : البكالوريا ميلاد حلم جديد


لم يكن الحديث عن إصلاح التعليم في مصر يوما رفاهية بل صار ضرورة وطنية لا تقل أهمية عن الأمن والاقتصاد فالعقل هو الثروة الحقيقية والتعليم هو المصنع الذي ينتجها وبعد سنوات من الشكوى من نظام الثانوية العامة التقليدي الذي حول حياة الطلاب إلى سباق مرهق خلف المجموع جاء الحديث عن نظام البكالوريا المصري كنافذة أمل لتغيير وجه التعليم في أكبر دولة عربية سكانا
ان النظام القديم كان يعتمد على التلقين والحفظ لا على الفهم والإبداع كان الطالب يحفظ ليجتاز الامتحان ثم ينسى كل شيء بعد خروجه من اللجنة
أما نظام البكالوريا الجديد فيسعى لتغيير هذه الثقافة من جذورها حيث يقوم على التقييم المستمر بدلا من امتحان واحد يحدد مصير الطالب ويعتمد على البحث والمشروعات والتحليل وحل المشكلات لتصبح المدرسة مكانا لصناعة العقول لا مجرد معبر للدرجات
في النظام الجديد ستعود المدرسة إلى دورها الطبيعي كمكان للتعلم الحقيقي لا لمجرد حضور إجباري
الطلاب سيشاركون في أنشطة علمية وثقافية وسيتعلمون مهارات الحياة والاتصال والتفكير النقدي
البكالوريا المصري لا يهدف فقط لتخريج طالب يحفظ المناهج بل لتخريج شاب قادر على اتخاذ القرار وتحمل المسؤولية ومواكبة المستقبل
لن ينجح أي نظام مهما كانت روعته بدون المعلم
فهو القلب النابض لأي إصلاح تعليمي
في نظام البكالوريا سيكون للمعلم دور مختلف ليس كملقن بل كـموجه ومرشد
وسيعاد تدريبه ليتواكب مع فلسفة التعليم الجديدة وليصبح شريكا في بناء جيل واع لا مجرد ناقل معلومات
إصلاح التعليم لا يعني فقط تغيير المناهج بل تغيير طريقة التفكير داخل الفصل الدراسي
لقد أصبح التحول الرقمي أصبح ضرورة لا خيارا
فالنظام الجديد يعتمد على المنصات التعليمية والامتحانات الإلكترونية وبنوك الأسئلة الذكية ما يضمن العدالة ويقلل التلاعب والغش
لكن التحدي الأكبر يظل في توفير البنية التحتية التكنولوجية في جميع المدارس خصوصا في القرى والمناطق النائية حتى لا يتحول الإصلاح إلى ترف خاص بالمدن فقط
فنظام البكالوريا ليس عصا سحرية فهناك تحديات ضخمة
منها تأهيل المعلمين وتوفير الموارد وتغيير ثقافة أولياء الأمور الذين اعتادوا على فكرة المجموع والدرجات
لكن مصر اليوم أمام فرصة تاريخية لإعادة بناء منظومة التعليم على أسس حقيقية تضع العقل قبل الورقة والمهارة قبل العلامة
إذا كتب النجاح لتطبيق نظام البكالوريا المصري فسيكون ذلك بداية لعصر جديد من الوعي والتفكير والإبداع يضع مصر على خريطة الدول التي تصنع عقولا لا تحفظ فقط بل تبدع وتبتكر
فالإصلاح الحقيقي لا يبدأ من الوزارات بل من فصل دراسي صغير ومعلم مؤمن برسالته وطالب يفتح عقله قبل كتابه
إنها ليست ثورة في التعليم فقط بل ثورة في الوعي ايضا