السبت 1 نوفمبر 2025 07:47 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

شبراوى خاطر يكتب : آن لنا أن نفتخر

الكاتب الكبير شبراوى خاطر
الكاتب الكبير شبراوى خاطر

أبدأ هذا المقال بسؤال تمهيدي وهو: أي شعار ستختار للمتحف المصري الكبير؟

●متحف تاريخ مصر القديمة
●هدية مصر للعالم
●هدية قدماء المصريون لمصر الحديثة
●العصر المصري الحديث
●أيقونة متاحف العالم

لو أنت رئيس مجلس الإدارة، أو الرئيس التنفيذي، أو أمين المتحف، أو عضو مجلس إدارة المتحف المصري الكبير.
وترغب في زيادة عدد زوار المتحف، وتريد دعاية تساعد على ذلك.
هل ترى أي من تلك الشعارات المقابلة مناسب أكثر. أو تبتكر شعار مناسب؟

في المتحف، بالنسبة للزوار، إذا كان السؤال الأول هو: أين الحمام؟
والسؤال الثاني: أين المقهى؟
حيث قد يكون فنجان قهوة وشريحة من الكعكة أكثر جاذبية من مجموعة المتحف بأكملها.
ذلك لأن زيارة المتحف هس نزهة ممتعة. ويجب أن تكون مسلية ومبهجة.

وإذا كان على أمناء المتاحف الحفاظ على الفن واتاحته للجمهور من كل صنف ولون، والمديرون موجودون من أجل خدمة هذا الجمهور.

فضع نفسك مكانهم. أي موقف وأي شعار ستختار؟

أيهما سيكون فعالاً مع الجمهور، والذي يضع سبباً للإصرار على تشييد المتحف المصري الكبير؟ ناهيك عن الأهداف الاقتصادية والسياحية، وتأكيد مكانة مصر داخل عقول قلوب أبنائها وضيوفها. فالقيمة اكبر بكل المقاييس، وعندما أقول "القيمة" فإنني أؤكد بأنها القيمة لكل الأطراف، القيمة للشعب المصري، وللأجيال القادمة وللعالم أجمع.

بالفعل انا قد أسعدني الحظ بزيارة المتحف خلال فترة الافتتاح التجريبي، طريقة العرض مبهرة، ومدروسة بعناية، المعروضات أكثر من طاقة الزوار على الإلمام بكل تفاصيلها، لقد تعبت من التجوال داخله، يحتاج الى عدة أيام لاستيعاب طبقات متوالية من الحقب الحضارية، كل حقبة تحتاج متحف، كل مجموعة تحتاج لمتحف، تاريخ آلاف الأعوام من الحضارة الإنسانية المصرية في مكان واحد، تزاوج الفن المعجز مع العلوم مع الثقافة مبهر. كل قطعة لا تقدر بثمن، هذا هو الكنز الحقيقي المستدام ولا يقارن ببعض آبار النفط أو مناجم الذهب والفضة القابلة للنضوب في يوم ما. ولا يقارن بالفعاليات الفنية والموسيقية والرياضية. حيث يصل الماضي بالحاضر ليؤسس لمستقبل زاهر ومزدهر. هذا هو الإرث والذي يمثل الهدية والكنز الحقيقي لأحفاد المصريين القدماء من أسلافهم، هذا المتحف أشاع الفرحة الغامرة لشعب رأسماله الفرح والاستمتاع بالحياة في ظل عالم يكتنفه الصراعات والجشع والبؤس والانقباض. هدية لشعب يحتاج إلى استعادة مشاعر الفخر، وها هو يصنع الحضارة ويحافظ عليها، فقط أنظر لصور المصريين بأزياء المصريين القدماء على جميع منصات التواصل الاجتماعي، هدية لشعب يستعيد هُويته المنسوجة داخل حمضه النووي وفي لغته وترانيمه وأهازيجه، في أفراحه وأتراحه وتعبده، وفي خفة دمه التي لم ولن يستطيع أحداً أن ينزعها منه. على الرغم من ظهور بعض الحاقدين لنشر الأفكار السلبية وتعكير صفو الفرح.

فمنذ احتفالية "موكب الموميات الملكية" وما صاحبها من إحياء"أنشودة إيزيس" والعالم أجمع بدأ يرى مصر الحقيقية والتي لا يستطيع أن ينازعها في تاريخها العتيد أي من غربان الظلام .

فمصر الحاضر والمستقبل متصلة بتاريخها وإرثها وتقاليدها، وهي من وصفها 'جيمس هنري بريست' بأنها فجر الضمير، وهذا المتحف سيظل أهم هدية للأجيال القادمة، والذي قدمها الجيل الحالي على حساب راحته وبرغم معاناته. وسيبقى هذا الصرح العملاق شاهداً على عظمة الجينات المصرية، فلنفخر بتاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا، إذ تُعتبر الحضارة المصرية القديمة حضارة عظيمة وإيمانية وموحِدة، ترتكز على قيم العدل والضمير، والتي يُنظر إليها على أنها من أقدم الحضارات في العالم. وقد وصفها البعض بأنها حضارة للإيمان والضمير، وليست مجرد حضارة أحجار وأصنام، فهي فخر لكل المصريين.

ويكفيني هنا في هذا المقال أن أستشهد بوصايا الحكيم المصري "بتاح حتب" والذي إحتسبه أحد أهم خبراء العلاقات العامة بأنه أبو العلاقات العامة الحقيقي، والذي وضعها منذ أكثر من أربعة آلاف وخمسمائة عاما.
والذي وضعها بسبب وصوله لسن الشيخوخة ورغبته في نقل حكمة أسلافه، التي وصفها بأنها «كلمات الآلهة». والتي تمجّد فضائل السلوك السوي بين الناس، مثل الصدق والعدل وضبط النفس والرفق بالآخرين، والدعوة للتعلم عن طريق الاستماع إلى الجميع ومعرفة أن المعرفة البشرية لن تكتمل أبدًا. إضافةً إلى تجنب الصراعات كلما كان ذلك ممكنًا، ولا ينبغي أن يعتبر ذلك ضعفًا. وينبغي السعي إلى العدالة، وفي النهاية ستسود كلمة الآلهة. تشير بعض النصائح إلى كيفية اختيار السيد المناسب وخدمته، وتلقن نصائح أخرى دروسًا حول الطريقة الصحيحة للقيادة من خلال الانفتاحية والطيبة، واعتبرت تلك الإرشادات أن الطمع هو أساس كل شر ويجب الاحتراس منه، وأن الكرم مع الأهل والأصدقاء أمر جدير بالثناء، وقبول السمو في المقام الاجتماعي باعتباره منحة إلهية، ويمكن الحفاظ عليه بقبول العمل تحت إرادة الرئيس. فهل هذه كانت حضارة كفر وزندقة؟، وهل تختلف عما نادت به كل الأديان السماوية التي نعرفها؟

أبداً لم تكن مقتنيات هذا المتحف مجرد أصنام، فلقد وُجدت الأصنام في مناطق أخرى من العالم من حولنا، حيث كانوا يعبدون بعض الأحجار وتماثيل العجوة فإذا قرصهم الجوع أكلوا آلهتمهم التي صنعوها بأيديهم وخفة عقولهم وجهلهم، وما زالوا يفعلون.

وإجابتي على السؤال الذي طرحته في مقدمة المقال أن هذا المتحف بالفعل هو "هدية مصر للعالم"

ولا عزاء للحاقدين المغلولين.

شبراوى خاطر آن لنا أن نفتخر الجارديان المصرية