الثلاثاء 4 نوفمبر 2025 06:51 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

شحاتة زكريا يكتب : الوعي الوطني.. المعركة التي لا تُرى ولكن نتائجها تُصنع كل يوم

الكاتب الكبير شحاتة زكريا
الكاتب الكبير شحاتة زكريا

ليست كل المعارك تُخاض بالبندقية ولا تُقاس الانتصارات بعدد الأعلام التي تُرفع فوق الأسوار ، فهناك معركة أخرى أخطر وأعمق.. معركة تدور في العقول والقلوب في وعي الشعوب وإدراكها وفي قدرتها على أن تميّز بين الحقائق والضباب بين من يريد البناء ومن يسعى للهدم. إنها معركة الوعي الوطني.. المعركة التي لا تُرى بالعين ولكن نتائجها تصنع كل يوم شكل المستقبل.

لقد تغيّر شكل التهديدات التي تواجه الدول. لم تعد الحرب اليوم على الحدود بل داخل العقول. من يملك السيطرة على وعي الناس يملك توجيه إرادتهم ومن يملك إرادتهم يستطيع أن يرسم مصيرهم. لذلك أدركت الدول الواعية أن بناء الإنسان أهم من بناء الجدران وأن حماية العقول لا تقل أهمية عن حماية الحدود.

الوعي الوطني ليس شعارا يُرفع ولا دروسا تُلقَى في المناسبات. هو حالة إدراك جماعي تُصنع بالتربية والتعليم والإعلام والثقافة وبكل وسيلة قادرة على أن تزرع في المواطن شعورا بالانتماء والمسؤولية. فالوطن ليس قطعة أرض بل فكرة تتجسّد في ضمير كل فرد وإحساس يُترجم في مواقف يومية: في احترام القانون في الحفاظ على مقدرات الدولة في الدفاع عن صورتها في وجه الشائعات وفي الإيمان بأن ما يُبنى اليوم هو لنا جميعا.

لقد أدركت مصر هذه الحقيقة مبكرا حين راهنت على وعي شعبها في مواجهة كل محاولات الفوضى والتشكيك. ومع كل أزمة كانت تثبت أن أخطر سلاح تمتلكه هو وعي أبنائها. هذا الوعي الذي لا يُشترى ولا يُصنع بقرار ، لكنه يُغذّى بالثقة والشفافية ويكبر حين يرى المواطن أن دولته صادقة في نواياها عادلة في سياساتها وحاضرة حين يحتاجها.

وإذا كانت هناك معارك تُخاض في ساحات الاقتصاد أو السياسة أو الأمن فإن معركة الوعي هي التي تحدد نتائج كل تلك المعارك. لأن الإنسان الواعي هو الذي يفرّق بين النقد والبناء بين المعارضة والعداء بين الغضب الشريف ومحاولات التحريض المموّهة. الوعي هو البوصلة التي تمنع المجتمعات من الانزلاق إلى الفوضى وتجعلها قادرة على عبور الأزمات دون أن تفقد بوصلتها الوطنية.

ولأن الحرب على الوعي لا تهدأ فالمعركة مستمرة. تُخاض على الشاشات وفي مواقع التواصل وفي المناهج وفي كل بيت ومدرسة وجامعة. لذلك لا بد أن يتحول الوعي الوطني من مجرد "رد فعل" إلى "حالة دائمة" تعيش في مؤسساتنا وثقافتنا وإعلامنا. فالمواطن المستنير هو أول خطوط الدفاع والمجتمع الواعي هو أقوى حصن لأي دولة.

إن بناء الوعي لا يحتاج إلى خطاب عاطفي بقدر ما يحتاج إلى مشروع ثقافي ومعرفي يربط الماضي بالحاضر ويُعلي من قيمة الحقيقة والعقل. فالعقل المصري الذي صنع الحضارة منذ آلاف السنين قادر على أن يصنع وعيا جديدا يليق بعصر المعلومات والذكاء الاصطناعي ويدرك أن الوطنية ليست انغلاقا بل انتماء واع يفتح الأفق ولا يبدد الهوية.

في النهاية تبقى المعركة الحقيقية هي معركة الوعي.. لأنها تحدد كيف نفكر وكيف نرى أنفسنا وكيف نحمي وطننا من محاولات التشويه والاختراق. ومن ينتصر فيها لا ينتصر لمجرد فكرة بل ينتصر لمستقبل وطن كامل.

الوعي الوطني.. المعركة التي لا تُرى ولكن نتائجها تُصنع كل يوم شحاتة زكريا الجارديان المصرية