الجمعة 7 نوفمبر 2025 03:16 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

عصام بيومي يكتب : من غزة إلى الفاشر.. فتش عن ”النتن”ياهو!

الكاتب الكبير عصام بيومي
الكاتب الكبير عصام بيومي

هل تذكرون إيجال عمير، وماذا فعل.. ولماذا؟ قبل ثلاثين عاما، وفي الرابع من نوفمبر 1995 اغتيل رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إسحاق رابين، الذي وصف وقتها بمهندس عملية السلام في الشرق الأوسط. في ختام مظاهرة دعم لاتفاقيات أوسلو (سبتمبر 1993)، قتل رابين بثلاث رصاصات أطلقها شاب يهودي لم يتجاوز عمره وقتها 25 عاما، وكان ينمتي لما يسمى اليمين المتطرف في المسرح السياسي الإسرائيلي. اغتيل رابين وهو يدافع ومؤيدوه عن السلام، الذي صنعه مع الفلسطينيين، في تل أبيب، وبأيدٍ صهيونية، وكان قاتله هو إيجال عمير.
بينما كان العالم، وخاصة المهتمين بالقضية، يستعدون لتنفس الصعداء للخطوة الكبيرة التي تحققت على طريق إنهاء الصراع الطويل والمرير، كان هناك في إسرائيل ذاتها من ليسوا سعداء بذاك السلام- برغم كل التحفظات عليه من الجانب الفلسطيني العربي- ولا يريدون له النجاح ولا الاستمرار، ويعتبرونه "هرطقة". فكان عمير وكان اغتيال رابين ومعه عملية السلام التي لم تر أي تقدم حقيقي بعده.
كان ذلك مصداقا لما أكده لي، السير جيمس بالاسير، الرئيس الأسبق لمعهد لندن للدراسات السياسية والإستراتيجية، في حوار صحفي في مدينة سالزبورغ النمساوية، في العام 1989. قال لي سير بالاسير على هامش ندوة دولية في أوائل سبتمبر من ذلك العام، إن إسرائيل لن تمنح العرب أي شيء حقيقي بعد "الدرس الذي تعلمته من اتفاقات كامب ديفيد بينها وبين مصر"، وأنهم باتوا يخشون السلام.

في مشهد آخر أكثر خطورة وارتباطا هنا، كان أحد أكبر المتهمين بالتواطؤ والتحريض على اغتيال رابين هو نفسه بنيامين نتنياهو، زعيم المعارضة وقتها، مجرم الحرب الهارب من وجه العدالة الدولية، الآن، والذي يقود مسيرة الإرهاب الصهيوني منذ ذلك الحين وحتى الآن.

عند اغتيال رابين كان شيطانياهو يقود مسيرات تهتف بموت رابين، وتحمل حبل مشنقة، ونعشا رمزيا له. وكان ذلك وسط لقاءات، ظهرت لها أخيرا فيديوهات، تجمع شيطانياهو مع حاخامات يطالبونه بفعل كل ما يستطيع للإسراع بقدوم المسيح المنتظر بحسب اعتقاداتهم. وبعد أشهر قليلة على اغتيال رابين تم انتخاب نتنياهو رئيسا للوزراء في يونيو 1996، ولم يترك الساحة السياسية منذئذ في مناصب مختلفة.
في ذلك الوقت، وقبل أن تجف دماء رابين، ردد المتظاهرون المؤيدون للسلام اتهامات لنتنياهو بالضلوع في اغتياله، وحملوا لافتات تقول: نتنياهو.. دماء رابين على يديك". وعلى مر السنين ظلت تلك الاتهامات تلاحق شيطانياهو. وكان من أحدثها اتهامات وجهتها
ميراف ميخائيلي، رئيسة حزب العمل، أواخر العام 2022، في الذكرى ال27 للاغتيال، لنتنياهو بالتواطؤ في اغتيال رابين. والغريب أن ميخائيلي أضافت إلى نتنياهو في قائمة الاتهام إرهابي آخر في حكومته هو إيتمار بن غفير، الذي ضبط متلبسا وقتها، وكان مايزال مراهقا، وهو يسرق شعارا من سيارة رابين قبل وقت قصير من الاغتيال. ثم يقول متباهيا لمراسل تلفزيوني: "لقد وصلنا إلى سيارته، وسنصل إليه أيضًا"، بحسب صحيفة " تايمز أوف إسرائيل". هناك في ذلك الوقت تشكلت في الكيان طبقة سياسية أو بالأدق "عصابة"، هدفها الوحيد هو تسريع عملية الإفساد في الأرض. وبمرور الزمن وجدت تلك العصابة لها أتباعا في مناطق شتى إقليميا ودوليا.
ومنذئذ لا يزال إرهاب نتنياهو وعصابته من "الصهانية الجدد" يتوسع محليا وإقليميا ودوليا، في إطار خططهم لتنفيذ ما يسمونه إسرائيل الكبرى، التي لا تخرج عن كونها جزءا من إفسادهم الثاني وعلوهم الكبير.
فبالإضافة إلى ساحات ممارسة إرهابهم من غزة إلى الضفة إلى لبنان وسوريا وإيران، هناك ساحة أخرى لا يلتفت إليها كثيرون هي السودان.
فبينما يواصل شيطانياهو التلاعب باتفاق شرم الشيخ لوقف الحرب في غزة، يمتد إرهابه إلى السودان ويواصل تأجيج الحرب الأهلية فيها، إذ كشفت مصادر ليبية رفيعة أن عناصر الموساد تنتشر في الشرق الليبي من بنغازي إلى الكُفْرة لتقديم المساعدة لقوات المتمرد حميدتي.
وليس ذلك بجديد. فخلال العامين الماضيين، أكدت مواقع إسرائيلية منها موقعا "واللا" و"هاأرتس" ومواقع دولية منها "أكسيوس"، تقديم إسرائيل مساعدات عسكرية وتقنية، مباشرة، لقوات حميدتي، المسماة بقوات الدعم السريع، والذي أوكل لشقيقه عبدالرحيم دجلو مهمة التواصل مع الموساد، والتي قام ضمنها، الأخير، بزيارات علنية لتل أبيب. هذا بخلاف الدعم الذي تقدمه إسرائيل لحميدتي عبر دول أخرى اتهمها السودان الرسمي علنا في المحافل الدولية وعلى رأسها مجلس الأمن. وكان أحدث تلك الاتهامات على لسان وزير المالية السوداني د. جبريل إبراهيم، الذي أكد أن ما يحدث في الفاشر فاعله الحقيقي هو الغرب والصهاينة وأتباعهم. وبعيدا عن الاتهامات الرسمية أو المبطنة للكيان فإن طبيعة الجرائم التي ترتكبها عصابات حميدتي وحجمها وبشاعتها، لا تشبهها إلا جرائم عصابة شيطانياهو، وخاصة الجزء المتعلق بترويجها بكل الوسائل والتفاخر بها. والأمثلة على ذلك كثير بداية من دير ياسين وصبرا وشاتيلا، وصولا إلى غزة. والحبل على الجرار. وهذا كله فصل آخر من فصول تدخلات صهيونية كثيرة في السودان كان من أخطرها فصل الجنوب السوداني، في العام 2011.
الخلاصة، أن قصة إيجال عمير وما تلاها من تصعيد الإرهاب الصهيوني الإسرائيلي، دائم الاستعار، لم تأت من فراغ، وإنما من قناعة أصيلة لدى هؤلاء الصهاينة الجدد بأنهم كالنار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله. فما أن تتوقف حربهم على الخارج حتى تبدأ حربهم في الداخل فيما بين بعضهم البعض. وما أكثر ما قيل عن أن نهاية الحرب لن تعني لنتنياهو إلا أحد أمرين، إما السجن أو القتل، كما فعل برابين.. وكما تدين تُدان.


[email protected]

من غزة إلى الفاشر.. فتش عن ”النتن”ياهو! عصام بيومي الجارديان المصرية