قراءة في المجموعة القصصية ”جامع العملات القديمة للكاتب شريف عبد المجيد
الإعلامى محمد جراح يكتب : التاريخ التائه في جغرافيا الواقع المرتبك
بين يدي المجموعة القصصية جامع العملات القديمة لشريف عبد المجيد والصادرة هذا العام 2025 م عن دار بتانة بالقاهرة.
تتنوع قصص المجموعة فتتوزع لتشكل مسبحة صغيرة في مساحة جغرافية هي جزء من قلب القاهرة التاريخية حيث شارع الأشراف، ومقام السيدة سكينة، وغير بعيد عن ذلك سبيل أم عباس، ومقام السيدة نفيسة وغيرها من معالم القاهرة القديمة وجبانتها التي كانت، وتحكي حباتها قصصاً لأناس يشبهوننا ونشبههم يسعون في جد واجتهاد؛ وتعب وأرق؛ ينشدون ستراً وعيشاً كريماً؛ وقدرة على مجابهة قسوة الواقع والتمرد عليه باللجوء إلى عوالم موازية لمهادنته حتى يحين الوقت لمجابهته.
تبدأ المجموعة بحكمة جرت على لسان هاملت بأن "العالم مضطرب، ومن المؤسف أن أكون أنا قد ولدت لأصلح عنه اضطرابه"، والمدهش أن المجموعة مثلما تصدرتها تلك المقولة فغنها تنتهي بها عندما استدعاها الكاتب وضمنها تفاصيل قصة حفل توقيع التي ختم بها المجموعة؛ وكأنه يقول للعالم إنه فعل ما استطاعه وقدر عليه، وليس مطلوباً منه أن يمضي فيغير بيده ولا بلسانه بعدما جعل من الكلمة سلاحاً في وطن لم تعد القراءة هي غايته حتى وإن تراجعت نسبة الأمية وانتشر التعليم، ففارق كبير بين الثقافة والمثقفين، وبين الأمية والأميين، بل إن الأمية تعددت أشكالها ولم تعد تعني من يجهل القراءة والكتابة فقط.
في القصة الأولى "مشاهد من حياة الساحر القديم" يعرض لنا عن اثنين من مدرسي التاريخ الذين تغلبا على قلة الدخل بالعمل كمهرجين وساحرين يقدمان فقراتهما في المدارس الخاصة والدولية؛ وحققا شهرة فيما قصداه بعيداً عن حصص التاريخ ودروس الدراسات؛ وكانه أراد أن يقول لنا إن التاريخ قد صار يتوارى؛ وإن الجغرافيا قد خانته لما امتدت أيدي الجرَّافات تهدم ما أقامة التاريخ على أرض الجغرافيا في القاهرة التليدة، وليؤكد لنا أن مسيرة الهروب والاستمرار ستستمر وهو يستدعي المساعد ليقدم فقرة العرائس.
ولأن لا شيء يسير وفق المتوقع، ولأن المفاجأة هي أجمل ما في الخدعة في الألعاب السحرية؛ فالزوجة ولدت دون الحاجة إلى الطبيب الذي حدد لها الموعد في التاسعة من مساء اليوم التالي، والمدرس الأول يعلم زميله الشاب عمل الساحر، وهذا الأخير ي علم مساعده، ومن ثم فلم يكن من غير المتوقع أن نرى المهرج في قمة تأثرة يقوم فيحلق شعره وهو يعرض فقرته على الأطفال المصابين بالسرطان مشاركاً لهم، ويقوم بتطليق زوجته على الملأ في عرض وفقرة من فقرات برنامجه بعد أن خانته؛ وتكفل هو بتربية البنتين حتى تزوجتا.
ولأن التاريخ جغرافيا متحركة، والتاريخ ثابت كما قال المفكر الجغرافي "جمال حمدان" فقد وجد أن اجمل قرار اتخذه في حياته كان قراره بأن يعمل ساحراً؛ ولأن الحياة دورات فقد جلس يستمتع بفقرة العرائس لمساعده حتى كان رحيله لما راى صورة والدته تملأ المسرح، وشعر بها وهي تمد يدها تمسد على شعره وكأنها تهدهده أو وكأن الأم الكبيرة مصر تهون عليه رحلته وشقائه وتبشره بمآله.
وفي قصة "سبع عرائس" يراها فتاة مليحة تتحدث إليه، ولما كانت إفاقته من عملية القلب نوى زيارة المقام والتعرف إلى قصصهن؛ فهن في حكاية بنات لتاجر وفد من المغرب فلما علا شأنه عينه الخليفة الفاطمي "الحاكم بأمر الله" وزيراً حتى حقد عليه فهرب منه عائداً إلى المغرب، فقتل الخليفة البنات انتقاماً منه، ولما عاد مكلوماً في بناته شيد لهن الضريح!، وفي تفسير آخر وحكاية ثانية نعرف أن البنات ارتدين زي المجاهدين الذكور، وحاربن المحتل الروماني، ولما قضين في المعارك شيد الناس المقام تخليداً لبطولاتهن، كما قيل في رواية ثالثة إنهن كن راهبات وهبن حياتهن لخدمة المرضى والمعوزين ومن أجل ذلك خلدت ذكراهن، فالتاريخ لا ينسى عكس الجغرافيا التي قد تتبدل بعض تضاريسها وصورها البسيطة.
ولأن الكاتب يعيش هموم منطقته نجده في قصة "انتقال السيد حسان" يمس موضوع التاريخ والجغرافيا في منطقته التي طالتها لوادر الهدم لما صدر الأمر بهدم المقابر، ووجوب نقل رفات الموتى إلى مقبرة جدبدة في العاشر من رمضان، هنا نجد سلمى حسان رئيس القسم في أحد البنوك، هذه الموظفة التي تحافظ على اسمها بعد طلاقها لتؤكد ذاتها كما أراد لها والدها، والتي لم تهتم أمها بالمبسبحة الالكترونية التي أهدتها لها بعدما عرفت بموضوع نقل المقبرة فحزنت لتقول لها بأن أباها أتعبهم في حياته ولا يريد لهم الراحة في مماته!، حتى سلمى لم تكن على يقين هل ما نقلته من رفات يخص والدها أم أنه يخص غيره، فقد تغيرت الجغرافيا، وتشوه التاريخ لما طالت المياه العطنة المقابر، وأثرت حتى نات من جثث من يرقدون فيها على رجاء القيامة، ولأن التكنولوجيا قد تسبق تفكيرنا فقد فوجئت باتصال على هاتفها يعرض عليها امتلاك مقابر بالتقسيط!.
وفي قصة "جامع العملات القديمة" التي جعلهاالكاتب عنواناً للمجموعة يصدر قرار التنكيس للدور الثالث للبيت القديم بعد مرور ربع قرن على القضية التي رفعها مالك العقار، وفي جمعه لمحتويات الشقة قبل هدمها يعثر الراوي على صندوق لا يهدأ إلا بفتحه فيجد مجموعة من العملات منذ العصر الملكي وحتى العصر الحاضر، وفي سعيه لأن يتكسب من بيعها لا يعجبه الثمن الذي عُرض عليه في مرتين، فيهتدي إلى تنظيمها وعرضها من خلال قناة على النت أحسن إدارتها حتى صار خبيراً في العملات القديمة وتواريخها، وأرقام وأثمان بيعها، فتكاثر المشاهدون وحقق من وراء ذلك ربحا مستمراً وقد دفعه النهم في حلمه بجده أن طلب منه أن يشترك في القناة ويفعل زر الجرس، فهل نحن قد انتهينا ونحن نعيد تدوير ماضي وتراث جدودنا ونتيحه للزائرين الذين يفدون لمشاهدته وفع المقابل المستمر على المشاهدة؟!.
وفي قصة "غرفة "82 يعرض لشخص أصيب بالشيزوفرنيا يتعرف عليه لما زار المستشفى، فيعرف أنه زميل الفصل المتقد الذكاء وقد انتهى به الحال إلى ما آل إليه من فصام، ولما يطلب من صديق موسر له لكي يتدخل لإخراجه من المستشفى لا يتدخل ذلك الصديق الموسر إلا بوضع مبلغ من المال لحساب المريض بالمستشفى، ربما بقصد أن يظل كل على حاله، الثري يظل ثرياً، والمطحون يظل كما هو، بينما يظل ذلك الزميل المريض في المستشفى ويكفيه أنه يعي فيدون يومياته، وكأن المال هو القادر على اسكات كل صوت في عصر طغت فيه المادة على كل شيء.
وفي قصة "بث مباشر" نحن أمام شخص أراد شنق نفسه بعدما فشل أن يكون سعيداً كالاخرين، فيحضر الحبل؛ ويصنع الخية؛ ويضع الكرسي في بث مباشر شاهده الجميع بمن فيهم أمه بائعة الخضار التي سقطت مغشياً عليها من هول ما رأت، ونتعرف من خلال السرد على تبريرات تاجر خسر مائة مليون وعاد يدعي أنه بدا من الصفر، ومطرب خدشت سيارته الغالية والفارهة وهو يتحفنا بحكمته الممجوجة لما قال لا تنظر إلى السيارة بل انظروا إلى المعاناة التي كنت فيها، ويختم بمقولته التي تشبه مقولة شيلني وأشيلك لما قال "افرح لي افرح لك"، حتى خطيبة أحمد المشنوق تقول إنه كان طيباً، وقد شق عليه والداها فبالغت أمها في طلبات وتجهيزات عرسها؛ وعايره أبوها بفقره، ولم تنس وهي تدعو له بالرحمة أن تذكرنا بأن زفافها على عريسها الجديد الأسبوع القادم، وتعود لتؤكد بأن حبيبها المنتحر سيظل على الرغم من ذلك عائشاً في قلبها، أما المفارقة فقد كانت في أخته حنان التي لم يتركها حتى زوَّجها لأنها كانت الوحيدة التي تعرف أنه يتعالج من الاكتئاب وكانت معه في آخر مرة زار فيها طبيبه الذي طلب منها العناية به وهو يحذرها بأنه قد ينتحر، ولكنها لم تفعل شيئاً من أجله وهو الذي ضحى من أجلها.
وفي قصة مقتل "السيدة الألبانية" يعرض لنا الكاتب قصة تلك السيدة التي ظل أبوها يبكي على وطنه الضائع لما ترك ألبانيا وجاء إلى مصر، وكانت هي تتعالى على المصريين على الرغم من أنها لم تنعم بامن وثراء إلا في ديارهم، واستطاعت من خلال أحد أزواجها الثلاثة أن تفك حكراً لها تمكنت من خلال عائد بيعه من إنشاء مركز للتجميل يحتل ثلاثة أدوار في بناية شاهقة الارتفاع، ولم تتورع تلك السيدة في المتاجرة في كل شيء إلى جانب ما هو معلن في المركز، فكانت تجارة أسلحة، وصفقات أرض وصفقات أخرى مشبوهة، حتى زوجها الثالث كان شاذاً، واكتشفت المباحث وسائط رقمية مسجل عليها كل المخالفات والموبقات التي كان يمارسها رواد ذلك المركز، ونعرف أن آخر أزواجها كان ممثلاً شاباً كانت تغير عليه فتزوجها بعقد عرفي، ووعدته بانتاج فيلم يكون من بطولته، ونعرف بأنها عاشت حياة مزدوجه ففي الوقت الذي رأت أن تبعد ابنها عن عالمها فأرسلت به إلى أمريكا فدرس الهندسة واستقر فيها، ومثله أخته التي كانت تُعد كبطلة أوليمبية في الاسكواش، ولما تضطر للعودة بعد مصرع والدتها = نفاجئ بها وقد ارتدت ثياب أمهان وتعيد فتح المركز من جديد بعد تغيير اسمه، وكان تمثالاً نصفياً لأمها قد وضع في المدخل تخليداً لها، وليؤكد ذلك أن دورات الحياة مستمرة وأن التاريخ هو الثابت أما الجغرافيا فهي المتحركة.
وفي قصة "نصف ابتسامة" نقرأ عن ذلك الموظف الذي اشترى كل لوازم عيد الأضحى، ولما يصل البيت تكتشف زوجته عدم وجود اللحم، وعبثاً يحاول العثور عليه فيعود إلى موقف السيارات، وألى البائع فيفشل، ولأنه لا عيد أضحى بدون لحم يقرر شراء لحم من جديد بفيزا المشتروات، لكنه يكتشف أنه كان قد اشترى وصار مديوناً للبنك بألف جنيه.
وفي قصة "حكيم" يصدم موتوسيكل الفتى محمود الذي يهوى تربية الحمامن ويهرب الجاني فيقوم عم حكيم تاجر الحبوب بنقله إلى مستشفى قصر العيني، ودفع كل التكاليف التي تطلبها علاجه، بل والتبرع له من دمه، فتشكره الأم التي تعمل مدرسة، وتتعهد له بأن تدفع له ما أنفقه، فيخبرها الرجل أن محمود مثل ابنه يوسف، وتكون سعادتها غامرة لما تجد عم حكيم وابنها يلوحان للحمام حتى يهتدي إلى عشوشه ربما في اشارة أخيرة على تأكيد معنى الوحدة الوطنية ووحدة الدم في المجتمع المصري، فالتاريخ المتحرك ثابت في أماكن جغرافيته.
أما في قصة "العشاق يتقابلون في البورضة" فقد نست لمياء التي صارت خبيرة في تعاملات البورصة زميلها الذي أحبها وأحبته لما كانا طالبين في كلية التجارة الخارجية بالزمالك، ولما تقابلا بعد اكثر من عشرين سنة عرفها بنفسها وذكرها بذاته، وبأنه يعمل بالتليفزيون، لكنها في سمنتها وحلتها الجديدة لم تتذكرة حتى وهي تصعد إلى سيارتها ذات الدفع الرباعي، وتكتفي بأن تعطيه بطاقة مدون عليها اسمها ربما لكي يتصل بها إن أراد، فهل كان سيفعلها بعدما وجدها لا تتذكر أي شيء مما كان؟، هل انمحى هنا التاريخ أم تشوهت الجغرافيا؟!..
وفي قصة "حكاية أمين المكتبة" نحن أمام دريري الطموح الذي ذاكر وصار أميناً لمكتبة الإذاعة التي كانت مقصداً لكل معدي البرامج، ونعرف أن زكريا أمين المكتبة عثر على ثلاثة كتب من موسوعة الحضارة وسط القمامة فيشكو ويرفع الأمر للنيابة الإدارية فبدأوا التحقيق معه هو، وقبل أن يغلظوا عقوبته يكتشفوا أنها ليست عهدة مسجلة عليه، ولما ذهب للعمل وأخرج البطقة الممغنطة فوجئ بانها لا تفتح لأنه موقوف عن العمل لأنه أراد أن يتبع الطريق الصحيح ويصلح ما يستطيع إصلاحهن لكن هيهات ان تتركه البروقراطية والقوانين البالية في حاله، وهيهات أن تشد على يده وتشيد بأمانته وإخلاصه.
وفي قصة "ثلاثة نهايات لقصة واحدة" نحن أمام مصور يتخذ من منطقة كوبري قصر النيل مكاناً له للعمل وتحسين الدخل على الرغم من انتشار الموبايل الذي صار يراه عدواً صريحا ومحارباً له في أكل عيشه.
يشاهد المصور فتاة ترمي بنفسها في النهر فلا يتردد في القفز خلفها ليتقذها، وفي النهاية المقترحة الأولى للقصة كما وضعت على الموقع الإلكتروني ليتفاعل معها الجمهور ينقذها ثم يعود إلى أشيائه فلا يجدها فنضيع الكاميرا ويضيع معها مشروعه، وفي النهاية الثانية يجد قارباً يقترب من الفتاة ويخرجها من الماء، ولكنه ينال كثيراً من اللوم من ذلك الشخص الذي بالقارب، ومن المخرج الذي يخبره بأنه أضاع عليهم يوماً في التصوير لأن ما حدث كان مشهداً سينمائياً، فيعود حزيناً إلى أشيائه فلا يجدها، أما النهاية الثالثة فهي أنه ترك أشياءه مع السائح العربي الذي رفض التصوير من قبل وهو يشير له بجهاز الموبايل الحديث الذي يحمله، فقفز وأنقذ وعاد وحمل أشياءه، وبعد عام كانت الفتاة تسير إلى جانبه بصفتها خطيبته..
وفي القصة الأخيرة التي تحمل عنوان "حفل توقيع" ربما أراد الكاتب أن ينبهنا إلى ذاته، وأن بعض الحكي وإن كان يمسنا جميعاً فشيء منه يخصه، فالكاتب طبع كتابه وجلس يعد النسخ التي ستهدى للأصدقاء وللنقاد عسى أن يكتب واحد منهم عنه، وبعد انتهاء الحفل الذي لم يحضره أكثر من خمسة وعشرين مر على شخص يفرد الجريدة على ملحق جريدة الأهرام المنشورع على صفحاته قصته، فيدرك أنه بالفعل يوجد لكل كاتب قارئ مجهول، وأن العالم مضطرب، وأنه من المؤسف أن يكون قد ولد ليصلح منه اضطرابه!، فهل نجح شريف عبد المجيد في إصلاح شيء من ذلك الاضطراب؟، أقول بيقين نعم نجح بامتياز وقدم لنا مجموعة قصصية متميزة بقصصها التي قالت كل شيء، وحكت كما هي أبيات الشعر بإيجاز ورمزية ولغة رشيقة عن كل ما يحيط بنا من طموح وإحباط ومن غلو وهبوط، ومن تسلط وتجبر ومن تسامح ومحبة.












القبض على أحد أنصار مرشح لإطلاقه أعيرة نارية ابتهاجًا بفوزه في انتخابات...
التحقيق مع 3 أشخاص ادعوا تزوير نتائج الانتخابات البرلمانية فى المنيا
القبض على قائد توك توك وزميله سار عكس الاتجاه واصطدم بسيارة بالجيزة
القبض على شخص بتهمة سب وشتم أفراد الشرطة في الجيزة
أسعار الذهب اليوم الأحد 16 نوفمبر 2025
أسعار الذهب في مصر اليوم الجمعة 14 نوفمبر 2025
سعر الذهب في الصاغة اليوم الأربعاء 12 نوفمبر 2025
سعر الذهب يستقر فى بداية تعاملات اليوم