الأربعاء 10 ديسمبر 2025 10:23 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

طارق محمد حسين يكتب : المرأة بعد الأربعين والمراهقة المتأخرة

الكاتب الكبير طارق محمد حسين
الكاتب الكبير طارق محمد حسين

تعد المراهقة المتأخرة عند المرأة إحدى الظواهر النفسية والاجتماعية التي نادرًا ما يتم الحديث عنها بصراحة.. رغم أنها تلامس حياة آلاف النساء في مجتمعاتنا. بحلول سن الأربعين للمرأة، قد يكون هناك إعادة نظر إلى السنون السابقة من حياتها، وقد يكون هذا مصحوباً بنظرة اعتزاز، أو ارتياح، وربما يكون مصحوباً ببعض الأسى أو الأسف، فتشعر الكثيرات بعدم الارتياح، وأنه قد خلفت أفضل سنواتها ورائها بينما تكبر، وقد يصاحب هذه الفترة تدهور نفسي وجسدي، ومواجهة لبعض المخاوف الوجودية عن انعدام الهدف وكبر السن، وقد تمر البعض بمراهقة ما بعد سن الأربعين، في محاولة منها لمواجهة هذه الأفكار وهذا الملل السائد، وتعد هذه الفترة شائعة نسبياً بين الناس، وتختلف مراهقة ما بعد سن الأربعين للنساء عن الرجال، فغالباً ما يشعر الرجال الذين يمرون بأزمات منتصف العمر بأنهم محاصرون في هذا الأمر، لكن النساء غالباً ما يعانين منها لعدة أسباب، منها أسباب فسيولوجية مثل انقطاع الطمث، إذ يمكن ذلك أن يتسبب في تغيرات هرمونية، انخفاض مستويات هرموني الاستروجين والبروجسترون، وقد يتداخل ذلك مع النوم، ويجعل الحالة المزاجية متذبذبة، ويقلل من مستويات الطاقة، يمكن أيضاً أن يؤدي انقطاع الطمث إلى فقدان الذاكرة، والقلق، وزيادة الوزن، وتقليل الاهتمام بالأشياء التي كانت مصدراً للاستمتاع. وقد يكون هناك سبباً عاطفياً، إذ بحلول الوقت إلى منتصف العمر، من المحتمل أن يكون هناك تعرض لبعض الصدمة أو الخسارة، أو وفاة أحد أفراد الأسرة، وتغيير كبير في الهوية، والطلاق، والاعتداء الجسدي أو العاطفي، وفقدان الخصوبة، وتجارب أخرى قد تترك شعوراً بالحزن المستمر. وقد يكون هناك أسباب اجتماعية، إذ قد تشعر المرأة أنها غير مرئية من قبل المجتمع حينما تتخطى سن الأربعين، قد تشعر بالضغط لإخفاء العلامات الجسدية لتقدم العمر ، وتكافح من أجل رعاية الأبناء والوالدين المسنين في نفس الوقت ، والمراهقة المتأخرة عند المرأة لا ترتبط بسن معين بقدر ما ترتبط بظروف عاشتها المرأة ومشاعر ظلت مؤجلة سنوات طويلة حتى وجدت طريقها إلى السطح.
وتبدأ المراهقة المتأخرة عندما تشعر المرأة بأنها استهلكت أعوامًا من عمرها وهي تؤدي أدوارًا مفروضة عليها زوجة، أم، ابنة، موظفة…بينما لم تجد وقتًا كافيًا لتكون هي كما تريد ، ومع تراكم المسؤوليات وغياب الاعتراف أو التقدير، تبدأ تساؤلاتها الداخلية بالتزايد: أين أنا من كل هذا؟ من يهتم بي حقًا؟ هل ما زلت أملك فرصة لأعيش كما أحب؟ ،في هذه المرحلة قد تلجأ المرأة إلى إعادة اكتشاف ذاتها فتتغير اهتماماتها، وتتبدل نظرتها لنفسها، وتصبح أكثر حساسية للحب والاهتمام. ليس لأنها تبحث عن علاقة بديلة، بل لأنها تفتش عن احتياج عاطفي ظل مهملًا لسنوات. ولأن المجتمع غالبًا لا يعترف بأن المرأة كائن عاطفي يحتاج للاحتواء في كل مراحل العمر، تتهم بأنها تمر بـ نزوة أو ضعف ، رغم أن ما تمر به أعمق بكثير من تلك الأوصاف السطحية.
أما اذا كان للمرأة شريك حياة فعليه أن يدرك أن الاحتواء والحوار والاهتمام الحقيقي ليست رفاهيات بل ضرورة نفسية تمنع الانزلاق دون قصد في البحث عنه خارج البيت، فالقلب حين يجوع قد يمد يده نحو أول مصدر دفء أما حين يشبع بالحب والاحترام فلا يلتفت إلا إلى بيته، وهكذا تصبح المراهقة المتأخرة فرصة للتقارب لا للابتعاد إذا أحسن الطرفان فهمها. إن فهم المجتمع لهذه الظاهرة يُخفف من حدتها، ويمنح المرأة مساحة آمنة للتعبير عن احتياجاتها دون خوف أو شعور بالذنب. فالمراهقة المتأخرة ليست بحثًا عن عمر ضائع، بل بحث عن حياة أكثر عدلًا مع قلب ظل يؤجل مطالبه حتى آخر اللحظة. إنها دعوة لإعادة النظر في علاقتنا بالمرأة، ليس باعتبارها مجرد دور تؤديه، بل إنسانة تحتاج أن تشعر بأنها مرئية، مسموعة، ومحبوبة في كل مراحل عمرها.

طارق محمد حسين المرأة بعد الأربعين والمراهقة المتأخرة الجارديان المصرية