حنان الليمونى تكتب : هنا حدائق أكتوبر: ”المواطن في مواجهة تعذيب الجهاز”
في الوقت الذي تنفق فيه الدولة جهودًا معتبرة لتطوير المرافق وتحديث الأداء الحكومي، ما تزال بعض الدوائر الغارقة في وحل الروتين قادرة على إفساد هذا الجهد بسلوكٍ قديمٍ يأبى أن يرحل. دوائر تتعامل مع المواطن كما لو كان حضوره تطفلًا، ومع الخدمة وكأنها منّة لا واجبًا، فتذوب خطط الإصلاح أمام باب نصف مغلق وموظف يرى أن الوقت ملك شخصي، وأن مصلحة المواطن يمكنها الانتظار حتى يتوفر "المزاج المناسب للعمل".
ولعلّ جهاز مدينة حدائق أكتوبر هو المثال الأفصح لهذا الانفصال العجيب بين ما تُريده الدولة وما يفعله بعض الموظفين. فالمواطن يدخل إليه في التاسعة صباحًا بروحٍ متأهبةٍ لإنهاء معاملته، لكنه يخرج في الثالثة عصرًا بروحٍ أُنهكت حتى العظم، بعدما أمضى يومه يتنقّل بين النوافذ كأنه يبحث عن كنزٍ مجهول، بينما الموظفون ينصرفون إلى فطارٍ ممتدّ، وضحكاتٍ لا تنقطع، وعباراتٍ تُقال بنبرةٍ تُشعرك أن طلبك ليس خدمةً واجبة بل عبئًا يفضل الجميع تأجيله.
يبدأ المشهد برقْمٍ يحصل عليه المواطن لا ليُسهّل طريقه، بل ليؤكّد له أنّ الانتظار هو الشيء الوحيد الذي يسير بانضباط. يجلس الناس في طابورٍ طويلٍ يتقدّم ببطءٍ مُحبط، فيما ينشغل الموظفون بالفطار الذي يمتدّ بأريحيةٍ مدهشة، وبجلساتِ تسامرٍ وضحكاتٍ عاليةٍ تجعل المواطن يشعر أنه متطفّلٌ على حفلة خاصة، لا متلقٍ لخدمة حكومية.
وحين يحين دوره أخيرًا، يكتشف أن كل موظفٍ يتعامل معه كمن يريد التخلّص من "اللي قدّامه":
"ارجع بعدين"
"روح للي جنبنا"
"مش هنا"
"اسأل برا"
"روح هناك"
جمل قصيرة تُلقى بلا مبالاة، وكأنّ المكتب ليس مكتبًا لخدمة الناس بل محطةٌ لتصديرهم إلى محطةٍ أخرى. وحين يقف المواطن أمام أحدهم محاولًا السؤال، يأتي الرد بنبرةٍ تُشعره بأنه ارتكب جريمة: "هو انت مش شايفنا مشغولين؟".
ومع كل "روح هناك" تتضاعف مشقّة المواطن، ويتحوّل اليوم إلى سلسلةٍ من الدورانات بين غرفٍ وشبابيك، بينما تتكدّس الأوراق، وتتراكم الهموم، ويزداد شعوره بأن حقه في الخدمة محبوسٌ بين روتينٍ لا يتحرك، وموظفين يعتبرون المواطن هو سبب التعطيل، لا ضحيته. وإن حاول الاعتراض أو رفع صوته قليلًا بحثًا عن تفسير، يُقابله بعض الموظفين بنظراتٍ ازدراء وتهديد ووعيد بتأجيل معاملته إلى ما لا نهاية.
وتبلغ الفوضى ذروتها حين يطلب مواطن بأدب إنهاء أوراقه المتعثرة، فإذا بالرد يتحول إلى صياح أو تهديد أو طرد غير لائق، كما حدث مع مواطنة لم تجد من ينصفها إلا بعد شكوى لرئيس مباحث شرطة المجتمعات العمرانية، وكانت قد تقدمت بشكوى للنيابة الإدارية. والأسوأ أن الموظف الذي تطاول عليها لم يكتفِ بما بدر منه، بل أخذ هاتفه وبدأ يصورها بلا سند قانوني، وكأنه يسجل مشهدًا يكرس فيه الإهانة بدلًا من إنهاء عمله.
أما العبارة الخالدة التي يُنهي بها الموظفون يوم المواطن، فلم تعد "فوت علينا بكرة يا سيد"، بل نسخة أكثر قبحًا: "ابقى تعالى بكره.. يمكن ربنا يسهّل"؛ وكأنّ الموظف يعلن صراحةً أن الخدمة ليست حقًا، بل قدرًا معلّقًا على مزاج اليوم التالي.
إن ما يجري داخل جهاز مدينة حدائق أكتوبر لم يعد خللًا إداريًا بسيطًا، بل أصبح ضغطًا يوميًا يستهلك وقت الناس وكرامتهم وأعصابهم. لذلك فإن المتابعة الجادة، والمحاسبة الحقيقية، والرقابة الفاعلة، ليست إجراءات مطلوبة إداريًا فقط، بل ضرورةٌ لحماية المواطنين أولًا، ولحماية صورة الدولة التي تسعى بجدّ لتطوير منظومتها، بينما يعبثُ بهذا الجهد بعض من لا يشعرون بقيمة مواقعهم ولا بثقل مسؤولياتهم.
الدولة التي تبني مدنًا ذكية وتفتح خدمات رقمية واسعة، لا يجوز أن يُسمح داخلها بجيوب إدارية تتفنن في تعذيب المواطنين، وتتركهم يدورون في حلقات مفرغة ومغلقة من التكدير والإهانة.












الأجهزة الأمنية تكشف ملابسات مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعى...
الداخلية توضح حقيقة التعدي على طفل داخل مدرسة بقنا
القبض على المتهم بالتحرش بفنانة شهيرة فى النزهة
السجن 10 سنوات لمتهم بتهديد فتاة على مواقع التواصل الاجتماعى بسوهاج
أسعار الذهب في الصاغة اليوم الجمعة
سعر الدولار اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025 مقابل الجنيه المصري
أسعار الدولار أمام الجنيه اليوم الأربعاء
أسعار الذهب اليوم في مصر..