مدحت الشيخ يكتب: حين يفقد المواطن ثقته في كل شيء
ليست كل الخسائر تُقاس بالهزائم العسكرية أو الانهيارات الاقتصادية. الهزيمة الحقيقية تبدأ حين يفقد المواطن ثقته بما حوله، حين تُغرقه الشائعات أكثر من الأخبار، وحين يصبح الشك هو المعيار الذي يقيس به كل ما يسمعه ويراه. في مجتمع تتسارع فيه المعلومات، وتختلط الحقائق بالمغالطات، يصبح المواطن ضحية لفراغ معرفي يملؤه الآخرون، ويصبح أي قرار حكومي، أو خبر إعلامي، أو تحرك مجتمعي محل شك دائم، حتى لو كان الهدف النبيل واضحًا.
إن فقدان الثقة ليس شعورًا عابرًا، بل أزمة ممتدة تؤثر على كل مستويات الدولة والمجتمع. المواطن الذي لم يعد يصدق الإعلام، لا يصدق قرارات الدولة، وحتى أقرب الناس له لا يثق بهم، يصبح أكثر عرضة للانفعال السريع، وأقل قدرة على المشاركة البناءة في أي مشروع وطني. هذه الثقة، أو فقدانها، تتحكم في نجاح أي إصلاح اقتصادي، أي مشروع تنموي، وأي سياسة اجتماعية، قبل أن يبدأ التنفيذ نفسه.
في قلب هذه الأزمة يقف الإعلام، سواء الرسمي أو المستقل. الإعلام الذي يكتفي بنقل الخبر دون تحليله، أو الذي يحشو المادة بالتضليل الخفي أو المبالغة، يصبح جزءًا من المشكلة، يفاقم الفجوة بين المواطن والواقع. أما الإعلام المستقل والموضوعي، فهو الوسيلة الوحيدة لتعزيز الثقة، لأنه يضع الأحداث في سياقها الصحيح، ويقدّم المعلومة الدقيقة، ويعطي المواطن فرصة لفهم القرار قبل الحكم عليه.
لا يمكن التغاضي عن أن فقدان الثقة يولد فراغًا خطيرًا، يملأه الآخرون: منصات مجهولة، شائعات تنتشر بسرعة، أو حسابات تستهدف التأثير على الرأي العام. المواطن في هذا المناخ يصبح هدفًا سهلًا للتضليل، ومشاركًا بلا وعي في نقل المعلومات المغلوطة، ويصبح النقد البناء صعبًا، ويزداد الانقسام المجتمعي.
الأزمة الحقيقية ليست فقط في ضعف المؤسسات أو أخطاء السياسات، بل في غياب استراتيجية وطنية لبناء الثقة والوعي. فالمواطن الواعي لا يصدق كل ما يُقال، ولا يرفض كل ما يُعرض، بل يحلل، يفرّق، ويشارك بقرار واعٍ. وهذا يتطلب إعلامًا مسؤولًا، وشفافية في اتخاذ القرار، ومعلومة دقيقة قبل أي إعلان أو خطوة.
من خلال التجربة، نجد أن الدول التي استثمرت في إعلامها، وفي نشر الوعي بين مواطنيها، هي الدول التي صمدت أمام الأزمات، وعبرت التحديات الكبرى بنجاح. المواطن الذي يفهم الأسباب والنتائج، ويعرف الحقائق من الشائعات، يصبح شريكًا في حماية الدولة وليس مجرد متلقٍ للمعلومات.
في النهاية، فقدان الثقة ليس مجرد تهديد رمزي، بل أخطر تهديد على الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي. أي مشروع تنموي يحتاج أولًا إلى مواطن يثق بما يحدث حوله، ويفهم الخطوات قبل أن يحكم عليها. بدون هذه الثقة، أي سياسة مهما كانت جيدة ستواجه صعوبة في التنفيذ، وأي مؤسسة مهما كانت قوية ستصبح عاجزة عن حماية المجتمع من الانزلاق نحو الفوضى












اليوم.. الحكم على مدرس متهم بهتك عرض طالبة فى الطالبية
بدء أولى جلسات محاكمة هدير عبد الرازق وأوتاكا بتهمة نشر فيديوهات خادشة...
تجديد حبس عاطل متهم بقتل والدته في مدينة نصر
الداخلية تسمح برد الجنسية المصرية لـ 19 شخصا
أسعار الذهب في الصاغة اليوم الجمعة
سعر الدولار اليوم الخميس 11 ديسمبر 2025 مقابل الجنيه المصري
أسعار الدولار أمام الجنيه اليوم الأربعاء
أسعار الذهب اليوم في مصر..