الأحد 21 ديسمبر 2025 02:55 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

سماح عزام تكتب : قراءة في النظام العالمي الجديد

الكاتبة الكبيرة سماح عزام
الكاتبة الكبيرة سماح عزام

في زمن تتسارع فيه الأحداث العالمية بوتيرة غير مسبوقة، وفي ظل تقاطعات الأزمات الاقتصادية، والصراعات الإقليمية، والتحولات التكنولوجية، يظهر أمام العالم نظام جديد للحكم الدولي والسياسات العالمية. ليس هذا النظام مجرد نظرية أو فكرة طوباوية، بل هو واقع عملي يُطبق تدريجيًا على كل دولة من دول العالم، ليصبح من الضروري لكل حكومة، وكل مواطن، فهم أبعاده وتداعياته.
في قلب هذا النظام، تكمن العولمة الاقتصادية التي حولت العالم إلى شبكة مترابطة، حيث تؤثر القرارات في دولة واحدة على أسواق المال، وأسعار الموادالخام ،وسلاسل الإنتاج العالمية.
المؤسسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي، البنك الدولي، ومنظمة التجارة العالمية، لم تعد مجرد منظمات إرشادية، بل أصبحت أدوات تنفيذية تحدد مسارات السياسات الاقتصادية الوطنية، وتفرض توازنات دقيقة بين مصالح الدول الكبرى والصغرى على حد سواء. النظام الجديد يعتمد بشكل متزايد على الرقمنة الشاملة والتحليل الذكي للبيانات. الهوية الرقمية، المدفوعات الإلكترونية، المراقبة الذكية، وأنظمة الذكاء الاصطناعي أصبحت جزءًا لا يتجزأ من بنية الدولة الحديثة.
التحول الرقمي لم يغير الاقتصادات فقط، بل أعاد تشكيل الأمن والسياسة والتعليم والصحة، ليصبح التحكم بالمعلومات والتحليل الذكي هو العمود الفقري لاتخاذ القرارات الاستراتيجية. على المستوى السياسي، يشهد العالم إعادة توزيع لقوى النفوذ. الصين، الولايات المتحدة، الاتحاد الأوروبي، وروسيا يشكلون مراكز القوة المؤثرة، بينما تتعاظم أهمية القوىالإقليمية.
في هذا السياق، تُفرض على الدول الأصغر سياسات وتوجهات معينة، ليس كإملاءات، بل كنتيجة لتشابك المصالح العالمية والمتطلبات الاقتصادية والأمنية. أي دولة تحاول الانعزال تواجه صعوبات حقيقية في التمويل، الاستثمار، والأمن الدولي.
النظام الجديد يتطلب التوافق مع مجموعة من القوانين والمعايير الدولية، بدءًا من حقوق الإنسان، وصولًا إلى الأمن السيبراني، وحماية البيانات، والتجارة العالمية، وإدارة أزمة اللاجئين. هذه المعايير ليست اختيارية بالمعنى البسيط، بل أصبحت شروطًا حقيقية لاستمرارية الدولة على الساحة الدولية، وضمان الاستقرار الاقتصادي والسياسي الداخلي.
أهم ما يميز هذا النظام هو الربط بين الاقتصاد، التكنولوجيا، والأمن. أي أزمة اقتصادية أو سياسية في دولة واحدة تمتد آثارها إلى العالم بأسره، والعكس صحيح.
القدرة على إدارة هذه التفاعلات المعقدة هي مقياس قوة الدولة في النظام الجديد، الذي لا يقبل الضعف، ولا يغفر الفوضى، ويكافئ الإدارة الذكية والتخطيط الاستراتيجي.
نظام العالم الجديد ليس مجرد فكرة، بل إطار عملي لإعادة تنظيم العلاقات الدولية وفق معايير مترابطة، مع التركيز على الاستقرار، التكامل، والتعامل مع الأزمات المشتركة.
الدول اليوم مطالبون بفهم هذا النظام ليس كخطر أو تهديد، بل كخارطة طريق لفهم كيفية إدارة مواردها، حماية سيادتها، وضمان رفاه شعوبها في عالم مترابط لا يعرف الانعزال.
في هذا النظام، يصبح الوعي الاستراتيجي والتحليل الذكي للسياسات العامة هو ما يفرق بين الدول القادرة على الصمود، وتلك التي تتأثر بالأزمات الخارجية دون استعداد.

قراءة في النظام العالمي الجديد سماح عزام الجارديان المصرية