الأحد 28 ديسمبر 2025 12:53 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

سماح عزام تكتب : أنصفت فنلندا الإنسان..فنهض التعليم

الكاتبة سماح عزام
الكاتبة سماح عزام

رسالة مفتوحة إلى صُنّاع القرار لسنا أقل من أحد ...في الوقت الذي ما زالت فيه دول كثيرة تُقايِس نجاح التعليم بعدد الامتحانات، وصرامة العقاب، وتكدّس المناهج، اختارت فنلندا طريقًا مغايرًا؛ طريقًا هادئًا، إنسانيًا، لكنه بالغ الحسم في نتائجه. لم ترفع شعارات جوفاء، ولم تتباهَ بتصنيفات عابرة، بل أعادت طرح السؤال الجوهري الذي تجاهلته أنظمة تعليمية كثيرة:
ما الغاية من التعليم؟
لم تبدأ التجربة الفنلندية بتغيير الكتب، بل بتغيير الفلسفة. انتقلت من مفهوم “الطالب الوعاء” إلى “الطالب الإنسان”، ومن “المعلم الملقّن” إلى “المعلم القائد التربوي”. فألغت ثقافة الحفظ، وخفّفت سطوة الامتحان، وقدّست التفكير، ورفعت مكانة المعلم إلى مصاف النخبة المجتمعية.
في فنلندا، لا يُنظر إلى الطفل بوصفه مشروع درجة، بل مشروع حياة.
ولا يُقاس النجاح بعدد ساعات المذاكرة، بل بمدى فهم الطالب لذاته، وقدرته على التفكير النقدي، والتعاون، وحل المشكلات.
المعلم أولًا… لأن التعليم لا ينهض إلا به ، وضعت فنلندا حجر الأساس في موضعه الصحيح : المعلم. فلا يدخل مهنة التعليم إلا من اجتاز أصعب مراحل الاختيار الأكاديمي والنفسي. المعلم هناك باحث، ومخطط، ومربٍّ، وصاحب قرار داخل فصله، لا تابع لتعليمات بيروقراطية خانقة. والأهم أنه يحظى بثقة الدولة، واحترام المجتمع، واستقلال مهني حقيقي.
في المدارس الفنلندية، لا رهبة من الامتحان، ولا إذلال للطالب، ولا تصنيف مبكر يقضي على الروح. التقييم مستمر ، تشخيصي، علاجي، يهدف إلى الفهم لا العقاب ، الخطأ ليس جريمة، بل خطوة في طريق التعلم ، والمدرسة ليست ساحة صراع، بل مساحة أمان.
والنتيجة؟ طلاب فنلندا يتصدرون الاختبارات الدولية، ليس لأنهم يُمتحنون أكثر، بل لأنهم يفهمون أكثر.
نجحوا بأقل عدد ساعات دراسة، وأقل ضغوط نفسية، وأعلى مستويات الرضا المجتمعي. نجحوا لأنهم احترموا الإنسان .
رسالة إلى المسؤولين: لسنا أقل من فنلندا
إن الفارق بيننا وبين فنلندا ليس في ذكاء الطلاب، ولا في قدرات المعلمين، ولا في الإمكانات البشرية. الفارق الحقيقي هو الارادة والفلسفة ،نحن لا نحتاج الى نسخ التجربة الفنلندية ، بل الى فهمها ،لا نحتاج الى هدم النظام بل نحتاج إلى تحريره من الخوف والتكديس ، والامتحان بوصفه غاية . آن الأوان أن نسأل أنفسنا بصدق: هل نريد طالبا ناجحا على الورق؟ ام إنساناً قادراً على الحياة والعمل والانتماء والتفكير ؟ ،تقدمت فنلندا لأنها احترمت عقل الطفل، وصدّقت المعلم، وآمنت أن التعليم أمن قومي.
وهنا، في مصر، لسنا أقل من أحد. فنحن نملك العقول، ونملك المعلمين، ونملك التاريخ. وما ينقصنا فقط… أن نختار الإنسان.

سماح عزام أنصفت فنلندا الإنسان..فنهض التعليم الجارديان المصرية