الجمعة 19 أبريل 2024 12:00 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الأديبة نور قزاز تكتب من اسطنبول : زخات قلب أم فلسطينية

الأديبة نور قزاز
الأديبة نور قزاز

في يوم بعيد سمعت خبطاً على باب بيتي بينما كنت أقوم بإرضاع صغيري وظننت بأنها الجارة فطنشت ونويت أن أبرر لها تصرفي لاحقاً ، لم أشتهي أن أقطع علينا جلستنا المحببة التي أعتبرها صلاة هو يتناول حليبه و أنا أتناول حصتي من المشاعر الرائعة التي تتولد بي عندما أقوم بإرضاعه و تنتشر ذبذبات الحب الكونية وتحيط بكلينا كنت أنتبه للدقائق حتى أقسّم وقت الرضاعة بين الثديين حتى لا يحدث خللاً في حجمهما بعد الفطام إنها نصائح جدتي ، كان يرضع بنهم شديد وصوت امتصاص الحليب يملأني أكثر بشيء لا أفهمه وتعلمت لاحقاً أنه هرمون الأوكسايتوسين ، كان صوته يثير بي مشاعر كثيرة ألماً ممزوجاً بسعادة غامرة ،وآهات رحم يصرخ أثناء تقلصه ليعود تدريجياً لحجمه الطبيعي بعد الولادة ، صلة عظيمة بين الرضاعة و الرحم وفوائد عظيمة تجهلها أمهات الموضة عندما يخترن الرضاعة الصناعية ، مشاعر حارة تخرج من قلبي إلى صغيري لتعانق روحه وتغذيها بالدفء لتعوضه عن خروجه من بيته الأول ( الرحم) ربما سموه الرحم من الرحمة لأن السكن به أرحم من هذا العالم ، يتابع صغيري عزفه الرائع الذي لو عُزفت أجمل سيمفونيات العالم بقربي لن تفعل بداخلي مثل ما يفعله صوت نهمه المشتعل والذي يتباطئ ايقاعه تدريجياً عندما يتعب ويخفف وتيرة هجومه الغريزية ليرتاح و أَمتلئ أنا بجرعة هرمونات سعيدة مختلفة من رائحة تعرقه عندما أحمله ليستريح ،أشم عنقه ،أقبله من ذقنه المزدوجة التي يسمونها اللغلوغة ثم أمسح تعرق جبينه وأسرح شعره للوراء بأصابعي و أطبطب على ظهره وهو منهك تماماً خائر القوى بعد ذلك الهجوم ثم يتجشأ ويتخلص من فقاعات الهواء الغير لازمة ويجهز نفسه ليتناول حصته من الثدي الآخر ولكن بوتيرة أخف ، عدنا لنكمل ازداد الخبط على الباب مع صوت بدا غير مفهوم شوش على صغيري مهمته فتوقف عن الرضاعة بحركة فضولية شهية سببتها غريزة الخوف و أصغى لصوت الغريب ، سمعت لحظتها جملة " أنا أعرف أنكم هنا إفتخوا الباب " فاضطررت للاستئذان من صغيري وذهبت لفتح الباب و إذا برجل غريب يحمل سلاحاً كبيراً مخيفاً و يتحدث العربية بمخارج حروف سيئة للغاية و ضمائر مخاطب خاطئة قائلاً :
_اخرج من هنا يا إمرأة هذا بيتي هيا
وبابتسامة لطيفة لازلت أحملها من جرعات أوكسايتوسين الذي امتلأت به ، ذلك الرائع الذي يمنح المرأة حنية عجيبة و تفهماً و ليونة فقلت بلطف شديد :
_ يا أخي أنت مخطئ في العنوان إنه بيتي
رد بوحشية :
_اخرج وإلا أفرغت هذا السلاح في رأسك
بدهشة أجبته :
_أقسم لك إنه بيتي
_لستُ مخطئاً يا إمرأة إن نصوصنا الدينية أخبرتنا بأن هذه الأرض لنا والبيوت التي فيها بيوتنا أعددنا لكم ما استطعنا من قوة و تسلحنا بالعلم و المال وصنعنا أقوى أنواع الأسلحة لإخراجكم وبضحكة نتنة تابع كنا نخطط لكم
تغير لوني بينما كانت بقايا حصة صغيري من الحليب تتدفق وتنفر لتبلل ملابسي و نظرت في عينيه نظرة أستجدي منها الرحمة والتي إلى الآن أندم عليها لأن طلب الاسترحام من لئيم يشعرنا بذل شديد و قلت :
_أين سنذهب زوجي ليس هنا و عندي طفل رضيع
وبلغة هشة و شماتة نظر إلى تلك البقعة المبللة بالحليب المهدور على صدري شامتاً بخسارتنا تلك النعمة بالإضافة للخسران اللاحق وقال :
_خذ طفلك وانقلع خبيبي ليست مشكلة أنا و سأقوم بالعد اذا أنتي ما رحت أنا بيقوص
هرعت بسرعة جنونية و حملت طفلي و تلعثم نطقي إلى أن استجمعت قواي و صرخت : الله ينتقم منكم يا كلاب الله بريء من دنسكم يالصوص
_إخرس خبيبي و انقلع ، انتظري ، تعال أعطيني طفلك دقيقة و أخذه غصباً عني ، حمله ونظر إليه بلؤم ثم ضحك ضحكة توحي بأنه مريض نفسي رغم الحضارة التي ادعاها لأنه يفرغ حقده بنشوة انتصار أمام رضيع قائلاً : فلتحترقوا موتوا انقرضوا يا خبثاء و بصق على طفلي ذلك الشيطان المشوه ، سحبته من يده وقلت بشجاعة في غير محلها ربما كنت سأخسر بها طفلي فلتحل لعنة الله وغضبه عليك يا شيطان تستقوي على رضيع وأمه تفه على العلم الذي تدعيه سأحمله ونذهب لنعد ما استطعنا لكم من قوة ، دخل بيتي أمامي وأغلق الباب دون أن يتأثر بكلماتي فالمغتصبون لا يشعرون ، ركضت نحو مقسم الأمن وجدت حالهم من حالي خرجنا بعيداً وجلسنا على حافة الطريق ندعوا عليهم و كان ابني يصرخ جوعاً وغضباً لإخراجه من بيته الثاني بوقت قصير و قمت بإرضاعه من الحليب المتبقي لكنه تحول إلى حليب مسموم ممتلئ بهرمونات الكرب حليباً تغيرت خواصه الطبيعية تناوله على مضض ثم استفرغه ومن وقتها لم يشبع كما في السابق ولم ينمو كما يجب لأن حليبي فسد من الوضع الفاسد . بعد عدة سنوات خرج ابني مع أقرانه نحو بيتنا وأخذ يرميه بالحجارة لأنها السلاح الوحيد الذي كان لديه لحقت به لأحميه لكني تأخرت كسر زجاج المنزل بالحجارة فخرج ذلك الشيطان و قتل صغيري وقتل حبيبي وسرق صلاتي ، هذه قصتي و يتهمونا اليوم بالارهابية ، لعنة الله على أديان تنصر الحجر على البشر ، تهون فيها حياة الإنسان لعن الله من كتب تاريخاً مشوهاً ليسرق البلاد و يتحكم بالعباد .