السبت 27 يوليو 2024 04:29 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

السيناريست عماد النشار يكتب : في انتظار عزوز ..او رضا!

السيناريست عماد النشار
السيناريست عماد النشار

على نول حالة الانتظار التي يعيش فيها الإنسان طوال حياته آملا أن تتحقق أحلامه ومساعيه ، نسج الكاتب الاسكتلندي صمويل بيكيت مسرحيته العبثية المأساوية في انتظار جودو ، والتي التقطها العقل المصري ، الذي دائمًا ما يعبّر عن معاناته بإطلاق النكات ، أو كما يقول ابن خلدون في مقدمته:
"إذا رأيت الناس تُكثر الكلام المضحك وقت الكوارث فاعلم أن الفقر قد أقبع عليهم، وهم قومٌ بهم غفلة، واستعباد، ومهانة، كمن يساق للموت وهو مخمور." ، وهذه مافعلته الفطرة المصرية الفُكاهية ، التي حولت الملهاة العبثية المأساوية لمسرحية بيكيت، إلى ملهاة عبثية كوميدية لحكاية يتناقلونها فيما بينهم من وقت لآخر ، مع تبديل لبعض الأحداث الثانوية لتناسب الزمن وتظل عالقة بالأذهان .
والحكاية أن شاب يُدعى عزوز ذهب للعمل في ورشة ميكانيكي ، بعد أيام قال لصاحب الورشة أنه يعرف رئيس الحي ، نهره صاحب الورشة وطالبه بالتركيز في عمله وإلا فصله ، في اليوم التالي مر رئيس الحي من أمام الورشة ، وما أن رأي عزوز حتى هرول ناحيته وقام بمصافحته بحرارة وود وعرض عليه خدماته ، أصابت الدهشة صاحب الورشة وفرح لذلك وقرر مضاعفة أجر عزوز ، بعد أسبوع قال عزوز لصاحب الورشة أنه يعرف المحافظ ، لم يصدق الميكانيكي وطالب عزوز بالتركيز في عمله وإلا خصم منه الأجر المضاعف ، في اليوم التالي مر المحافظ في موكبه أمام الورشة ، وما أن لمح عزوز حتى أمر الموكب بالوقوف ، ونزل من السيارة يهرول تجاه عزوز وهو يصيح عليه بكل عبارات الترحاب والتقدير ، وقام باحتضانه بحميمية وسط دهشة الجميع وأولهم صاحب الورشة الذي كافئ عزوز بتزويجه بإبنته الوحيدة ، انتظر صاحب الورشة حتى انقضى شهر العسل وذهب لزيارة عزوز وابنته ، وأثناء مشاهدتهم للتلفزيون الذي كان يعرض تطورات الحرب التي تدور رحاها بين روسيا واوكرانيا ، وما أن ظهرت صورة بوتين حتى قال عزوز بثقة ، أنه يعرف بوتين وقادر على اقناعة بإنهاء الحرب حتى تعود السلع الغذائية لأسعارها الطبيعية ، تحمس صاحب الورشة وقام على الفور بحجز التذاكر لروسيا وذهبا سويًا بعدما وعد عزوز بالتنازل له عن الورشة مقابل أن يراه بجوار بوتين فقط أملًا أن يتوسط عزوز لديه ليمنح الميكانيكي توكيل سيارة لادا الروسية ، وصلا روسيا ،وذهبا للكرملين وصادف هذا اليوم احتفال الشعب الروسي بمناسبة قومية والتي احتشدت لها الجماهير أمام القصر ،دخل عزوز للكرملين ، بينا وقف الميكانيكي بالخارج وسط الجماهير ، يتطلع لشرفة القصر ، ولم تمر ساعة حتى خرج بوتين من الشرفة وهو يمسك بيد عزوز وهما يلوحان للجمهور الذي أخذ يهتف بالأناشيد الوطنية ، أنهى عزوز مهمته وخرج يبحث عن الميكانيكي ولم يجده ، وعرف أنه أصابته إغمائه وذهبوا به إلى المستشفى ، دخل عليه عزوز الغرفة مختالًا ، وما أن أفاق الميكانيكي حتى سأله عزوز : هل سبب الإغمائة أنك رأيتني مع بوتن؟ فأجابه الميكانيكي بالنفي ، وقال له سبب الإغمائة أن الروس كان يسألون بعضهم البعض في دهشة ، من الذي يقف بجوار عزوز ؟!.
ومن رحم المسرحية أيضًا وبعدما لعب عزوز في چيناتها أخرج لنا خالد يوسف شخصية رضا في فيلم حين ميسرة ، الغائب في غياهب عراق ما بعد عاصفة الصحراء ، والحاضر في ذهن وأحلام أمه فقط ، القابعة في عشش الصفيح المُلغمة بكل القنابل ، التي تفتك بأي أمة مهما تمترست خلف كل الحلول الأمنية ، من فقر وانحراف وإرهاب وأطفال شوارع وبلطجة ، والتي تعيش حالة انتظار لعودة ابنها رضا بدولاراته، لينتشل الأسرة من براثن الضياع الذي لحق بالجميع ، فجودو لم يحضر ، ورضا لن يعود ، بينما عزوز يؤكد على صمودنا واستبسالنا في مواجهة كل المآسي والخيبات ، بسلاح النكات!