الجمعة 9 مايو 2025 03:30 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مساجد وكنائس

”قيثارة السماء”.. ذكرى ميلاد الشيخ محمد رفعت.. صوت الخشوع الذي أبهر العالم وارتوى من نبع القرآن

الجارديان المصرية

في مثل هذا اليوم، تحل علينا ذكرى ميلاد أحد أعظم الأصوات التي عرفتها الإنسانية؛ صوتٌ ارتقى بالقرآن الكريم إلى آفاقٍ من الروحانية والخشوع لم تُعرف من قبل. إنه فضيلة الشيخ محمد رفعت، الذي ولد في حي المغربلين بالقاهرة في 9 مايو عام 1882م، ليصبح واحدًا من أعظم قراء القرآن الكريم عبر التاريخ. حياته كانت مليئة بالمآسي والتحديات، لكنها أيضًا كانت مليئة بالعطاء والإبداع، حتى لقبه المحبون بـ"قيثارة السماء"، ذلك اللقب الذي يعكس عجز الكلمات عن وصف العذوبة والنقاء الذي كان يمتزج بصوته.

### **بداية الرحلة: فقدان البصر ورحيل الأب**
رغم أن القدر اختار له طريقًا محفوفًا بالأشواك منذ طفولته، إلا أن الله سبحانه وتعالى جعل من هذه الشدائد بوابة للتميز والإبداع. فقد الشيخ محمد رفعت بصره في الثانية من عمره، ثم فقد والده وهو في التاسعة، ليواجه الحياة بمفرده دونما دعم أسري أو معين. ولكن في ظل هذه الظروف القاسية، وجد في القرآن الكريم ضالته الكبرى، فكان الكتاب المجيد هو النبراس الذي أضاء دربه، وأصبح مصدر قوته وإلهامه.

بدأ الشيخ رفعت إحياء ليالي القرآن الكريم وهو في الرابعة عشرة من عمره، وكان صوته الملائكي يأسر قلوب المستمعين، حتى بلغ به الأمر أن وقع الاختيار عليه ليكون قارئًا للسورة في مسجد فاضل باشا بحي السيدة زينب وهو في الخامسة عشرة فقط. ومن هنا بدأت شهرته تتوسع، وصارت أصواته تتردد في كل بيت مصري، ثم امتدت إلى الآفاق العربية والإسلامية.

### **افتتاح الإذاعة المصرية: لحظة تاريخية**
في عام 1934م، وعندما تم افتتاح الإذاعة المصرية، كان الشيخ محمد رفعت هو الخيار الأول لهذا الحدث الكبير. وقف أمام الميكروفون ليقرأ قوله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1]، وكانت تلك البداية نقطة تحول ليس فقط في حياته، بل في تاريخ الإذاعة المصرية والتلاوة القرآنية. صوته الذي امتزج بالخشوع والعذوبة أسر قلوب المستمعين، وأصبح أيقونة لا يمكن نسيانها.

لكن رغم نجاحه الكبير، كان الشيخ رفعت شخصية متواضعة إلى حد بعيد. عندما طلبت منه الإذاعات تسجيل تلاوات مقابل المال، توقف عن قبول العروض خوفًا من الوقوع في حرمة أخذ المال على تلاوة كلام الله. واستفتى حينها شيخ الأزهر الإمام المراغي، الذي أفتاه بالجواز، ليواصل بعد ذلك نشر رسالته بكل أمانة وإخلاص.

### **لقب "قيثارة السماء": صوت يحاكي الملائكة**
وصفه الكثيرون بأنه "قيثارة السماء"، وهذا اللقب لم يكن مجرد كلمات مجاملة، بل كان تعبيرًا حقيقيًا عن العذوبة الفريدة التي تميز بها صوته. قال عنه الشيخ محمد متولي الشعراوي: "إن أردنا أحكام التلاوة فالحصريّ، وإن أردنا حلاوة الصوت فعبد الباسط عبد الصمد، وإن أردنا الخشوع فهو المنشاوي، وإن أردنا النفَس الطويل مع العذوبة فمصطفى إسماعيل، وإن أردنا هؤلاء جميعًا فهو الشيخ محمد رفعت".

أما الشيخ أبو العينين شعيشع، فقد وصفه قائلاً: "كان يقرأ القرآن وهو يبكي، ودموعه على خديه". بينما قال عنه الشيخ محمد الصيفي: "رفعت لم يكن كبقية الأصوات تجري عليه أحكام الناس... لقد كان هبة من السماء".

### **وفاته: الرحيل الجسدي وبقاء الإرث**
رحل الشيخ محمد رفعت عن عالمنا في 9 مايو 1950م، الموافق 22 رجب 1369هـ، بعد حياة مليئة بالعطاء والخدمة للقرآن الكريم. اختاره الله لأن يكون صوتًا للخشوع والروحانية، ودفن حيث كان يتمنى، بجوار مسجد السيدة نفيسة، لتظل روحه قريبة من كتاب الله ومدرسته.

### **رسالة إلى الأجيال القادمة**
في ذكرى ميلاده، نتذكر هذا العملاق الذي وهب حياته لنشر القرآن الكريم بصوته العذب، وجعل من نفسه أداة للتقرب إلى الله. إن قصة الشيخ محمد رفعت ليست مجرد سيرة ذاتية، بل هي رسالة لكل إنسان يواجه الصعاب أن ينظر إلى ما قد وهبه الله من مواهب ويستخدمها في خدمة الخير والدين.

رحم الله فضيلة الشيخ محمد رفعت، ولا حرمنا من صوته الروحاني، وغفر لسامعيه ومحبيه في كل زمان ومكان. آمين.

**شارك هذه الذكرى مع محبي القرآن الكريم لإحياء إرث "قيثارة السماء" الذي لا يزال يتردد في قلوبنا حتى اليوم!**

الشيخ محمد رفعت زكي الشيخ محمد رفعت صوت الشيخ محمد رفعت مقاطع الشيخ محمد رفعت