الخميس 15 مايو 2025 07:30 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

محمد سعد عبداللطيف يكتب : ترامب في الشرق الأوسط: صفقات بلا دماء على سجادة بنفسجية,,!!

الكاتب الكبير  محمد سعد عبداللطيف
الكاتب الكبير محمد سعد عبداللطيف

في أول زيارة خارجية له بعد توليه منصب الرئاسة، اختار دونالد ترامب الشرق الأوسط ليكون بوابة عبوره نحو المسرح الدولي. لم تكن زيارة عادية، بل حملت رسائل رمزية وسياسية عميقة، بدءًا من تفاصيل بروتوكولية غير مألوفة، وصولًا إلى رهانات جيوسياسية ثقيلة الوطأة.
اللافت في الاستقبال أن السجاد الذي فُرش له لم يكن أحمر كما هو معتاد، بل بنفسجي، في إشارة ذكية ومقصودة لتجنّب لون الدم الذي يغرق به الإقليم منذ سنوات، ولعلها محاولة لتقديم ترامب كـ"صانع سلام مؤقت" في حقل ألغام إقليمي مشتعل.

غموض وتوجس إسرائيلي

القلق الصامت الذي خيّم على دوائر القرار في تل أبيب لم يكن وليد اللحظة، بل نتيجة مباشرة لنمط ترامب غير المتوقع. فالرئيس الأميركي الجديد لا يرسل إشارات واضحة، ويفضل العمل بأسلوب المفاجآت. وهذا النمط أربك الحليف الإسرائيلي التقليدي، الذي اعتاد على التفاهمات المسبقة والاتصالات الخلفية.
اختفى صوت الغطرسة الذي طالما ميّز تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، لتحلّ مكانه نبرة حذرة، تعكس مخاوف من أن ترامب ربما لا يُدار كليًا من المطبخ الصهيوني كما كان سلفه.

المساعدات لغزة.. منحة مشروطة

على طاولة ترامب ملفات حساسة، أبرزها الوضع الإنساني في قطاع غزة. لكن المقاربة الأميركية لا تقوم على الإغاثة، بل على ضبطها وتحويلها إلى أداة ضغط سياسي.
ففكرة إنشاء هيئة رقابية لتوزيع المساعدات، بالتنسيق مع إسرائيل، تعني عمليًا إقصاء فصائل المقاومة، وتحويل الإغاثة إلى سلاح سياسي يخدم أولويات أمنية لا إنسانية.

اقتصاد الخليج في المزاد

الشق الاقتصادي من الزيارة لم يكن تفصيلًا جانبيًا، بل هو قلب الحدث. ترامب جاء ليستثمر في الصورة، ويُسوّق لنجاحات أمام ناخبيه الذين وعدهم بإعادة المال والوظائف إلى الداخل الأميركي.
الاتفاقيات التجارية مع الخليج ليست فقط مصدرًا لضخ الأموال، بل أداة لإعادة رسم ملامح العلاقة مع الحلفاء الخليجيين، الذين باتوا أكثر قلقًا من انسحاب تدريجي للولايات المتحدة من دورها التقليدي كضامن أمني.

قمة منتظرة و"سلام شكلي"

زيارة ترامب شملت مؤتمرًا اقتصاديًا ضخمًا في الرياض، ثم قممًا سياسية مع قادة الخليج، في وقت تعيش فيه المنطقة على وقع تصعيد متسارع في غزة.
وقد يسعى ترامب إلى "هدنة استعراضية" تُقدَّم على أنها إنجاز دبلوماسي، لكنها في الجوهر ليست أكثر من مسكن مؤقت للتوتر، يهدف إلى تمرير لحظة إعلامية تحقق له نقاطًا انتخابية.

نتنياهو.. الحليف المتردد

لم يكن استقبال تل أبيب لزيارة ترامب حارًا؛ فالعلاقة بين الرجلين ليست على ما يرام. نتنياهو، الذي لطالما راهن على رؤساء أميركيين مطواعين، يواجه الآن رئيسًا يغلب عليه الطابع التجاري أكثر من الأيديولوجي.
وإن كان ترامب ملتزمًا بأمن إسرائيل، إلا أنه لا يمنح شيكًا على بياض كما في السابق، بل يقايض كل شيء، ويزن كل خطوة بمنطق الربح والخسارة.

أخيرًا: جولة بلا إستراتيجية

زيارة ترامب إلى الشرق الأوسط كانت استعراضية بامتياز، لكنها تفتقر إلى رؤية شاملة أو إستراتيجية متماسكة. لم يحمل الرئيس الأميركي مشروعًا سياسيًا متكاملاً، بل جاء بمزيج من العروض الاقتصادية والحلول المؤقتة.
في منطقة تتنازعها القوى الإقليمية والدولية، لم يقدّم ترامب سوى وعود ثقيلة بالتدفق المالي، وعناوين هشة للسلام، وسجادة بنفسجية يحاول أن يغطي بها مشهدًا تتناثر فيه الدماء على كل الجبهات.

بعبارة أخرى: ترامب جاء ليبيع الأمل ويشتري النفوذ. أما شعوب المنطقة، فلا تزال عالقة بين رماد الصفقات ودخان البنادق.,,!!


محمد سعد عبد اللطيف
كاتب وباحث في الجيوسياسية والصراعات الدولية,,!
[email protected]