السبت 2 أغسطس 2025 02:39 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

الإعلامي محمد جراح يكتب: المساكنة - 1

الإعلامى الكبير محمد جراح
الإعلامى الكبير محمد جراح

شدني مصطلح المساكنة لما وجدته يتردد على ألسنة الكثيرين؛ وتلوكه ألسنة مقدمي البرامج في الحوارات المسائية على الشاشات المختلفة خصوصاً أنهم جميعاً قد قصروه في تفسير الحياة المشتركة بين رجل وامرأة دونما زواج أو قيود تنظم علاقة كل من الذكر والأنثى كما نعرفها ويعرفها الجميع وتحض عليها جميع الأديان والشرائع السماوية بل والوضعية، غير أنني بالبحث وجدت أن المساكنة غير قاصرة على علاقات الذكور بالإناث بل تتعدى ذلك إلى مجالات أخرى سياسية وغعلامية واقتصادية وغيرها، في هذه المرة سوف نتناول موضوع المساكنة من حيث هو علاقة بين ذكر وأنثى أي بين رجل وامرأة.

وفي تفسير كلمة أو مصطلح المساكنة تقول المعاجم وكتب اللغة إن "مساكنة" كلمة أو مصطلح مشتق من الجذر سكن الذي يعني الإقامة والعيش، وفي اللغة الإنجليزية فإن المصطلح cohabitation يعود إلى القرن السادس عشر، وهو مشتق من الكلمة اللاتينية cohabtare التي تعني العيش معاً، أما صندوق الأمم المتحدة للسكان الإسكوا escwa فقد فسر مصطلح مساكنة بأنه علاقة بين شخصين يعيشان معاً دونما زواج.
وعلى الرغم من المعنى الواضح للكلمة إلا أن هناك من رأى الفعل ما هو إلا شراكة منزلية بشكل ما، أو هو نوع من الحيل القانونية التي يلجأ إليها البعض ويستخدمها لتجنب القوانين الملزمة حال الزواج الرسمي؛ أي أن الكلمة تشير في معناها العام إلى معيشة اثنين من الأفراد معاً كشريكين دونما ارتباط أو زواج رسمي، أي أنها اتفاق على العيش بمقر إقامة واحد مع تحديد الحقوق والواجبات المترتبة على ذلك الأمر، بما يعني أن تلك العلاقة تعني في الأغلب الأعم وجود علاقة عاطفية أو جنسية بين الطرفين وذلك لمدى زمني قد يطول وقد يدوم.
وفي ظل تنامي ذلك الفعل والإقبال عليه، فقد توقع البعض أن تتحقق بعض الانفراجات في تنظيم تلك العلاقة التشاركية باعتبارها مشروعاً أو اتفاقاً بين طرفين، وأساس الاتفاق هو القبول، فيستطيع من ارتضوا ذلك أن يحصلوا على بعض المزايا والتي ربما يكون من بينها الاعتراف الرسمي بهما كـــ "أزواج" بالمساكنة، ففي فرنسا على سبيل تم تنظيمها بعد موضوع التضامن المدني pacs كنموذج محتمل. على أن كثير من الدول الغربية تنظر إلى الموضوع نظرة قد تختلف عن نظرة الشرق العربي عموماً؛ والإسلامي تحديداً للموضوع نفسه، فالظاهرة تواجه معارضة في الدول العربية، حتى وإن تسللت بصورة أو بأخرى إلى بعض تلك الدول، حتى وإن وجدت صور من المساكنة في دولة عربية أغلبيتها من المسلمين مثل سوريا، وربما فرضت الضوائق الاقتصادية هناك هذا الاتجاه قبل أي أسباب أخرى، وحتى في أوروبا هناك تباين في تقبل فكرة المساكنة، فبينما كانت الدول الاسكندنافية أول من بدأت تعترف وتجيز ذلك الاتجاه؛ كانت أوروبا المتوسطية محافظة للغاية، وبدت حذرة إلى حد ما حيث لعب الدين دوراً مهماً في تأخير تقبلها لذلك المستحدث الغريب. ونعرف أنه حتى منتصف التسعينيات ظلت مستويات التعايش أو المساكنة منخفضة هناك، لكن المعدلات زادت بعد ذلك زيادة مضطردة حيث نظرت بعض الطوائف المسيحية إلى موضوع المساكنة على انه مقدمة منطقية للزواج. وفي دراسة القيم الأوروبية evs لعام 2008م كانت النسبة المئوية لمن رأوا أن الزواج بات مؤسسة قديمة كما هو موضح بعد: في لوكسمبوج 37,5%، وفي فرنسا 35,4%، 34,3% في بلجيكا، وفي إسبانيا 31,2%، وفي ألمانيا 29,2%، وفي سويسرا 27,7%، وفي بلغاريا 27.2%، وفي هولندا 27%، 25% في سلوفينيا
المساكنة في الإسلام
ترى العقيدة الإسلامية أن معيشة فردين معا دونما عقد إنما هو أمر من المُحرَّمات، لأن الزواج يعتبر هو العلاقة الشرعية الوحيدة التي يمكن لها أن تجمع الرجل بالمرأة، وهو أي الزواج الرسمي الذي يحفظ للمرأة حقوقها، ويحمي كذلك الأبناء نتيجة تلك العلاقة، ويحافظ في المطلق على استقرار الأسرة، ومن ثم نُظر إلى موضوع المساكنة على أنه زنا صريح بما يترتب عليه من مسالب تؤدي إلى تفكك الأسرة؛ وانتشار الفاحشة في المجتمع، كما أنها رأته لا يمكن أن تكون بديلاً عن الزواج أو مقدمة له على الإطلاق.
وقد جاء في الصحيحين، وفي غيرهما، أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال " لا يخلون رجل بإمراة إلا ومعها ذو محرم"، ووجود إمرأة مع رجل في شقة واحدة من أخطر دواعي الفتنة والخلوة حتى ولو كان كل منهما في غرفة مستقلة. وقد اشترط أهل العلم من الفقهاء لجواز المساكنة بين الأجانب ألا تكون المرافق مشتركة، ويقول ابن حجر الهيتمي في الفتاوى الفقهية إذا سكنت المرأة مع أجنبي في حجرتين، أو في علو وسفل، أو دار وحجرة، فيشترط ألا يشتركا في مرفق من مرافق السكن، فإن اجتمعا حرمت المساكنة باعتبارها خلوة محرمة.
في مصر
ويتم النظر إلى المساكنة في مصر على أنها زنا، وينظر للأب الذي يرتضي لأبنته أن تفعل ذلك الفعل على أنه ديوث كبير، وقد قامت نقابة المحامين بإيقاف محام عندما صرح في مقابلة تليفزيزنية بتأييده لموضوع المساكنة قبل الزواج، وأكدت النقابة أنها سوف تتصدى لأي أحد يفكر في الإساءة إليها أمام المجتمع. فقد أكد المحامي المصري هاني سمح تأييده للمساكنة قبل الزواج؛ وقال إن القانون يبيحها أو يجيزها؛ وأنها لا تنتقص من حقوق المرأة، ومضى فقال إنه لا يمانع لو فعلت ابنته هذا الأمر؛ مما استدعى من النقابة إحالته للتحقيق.
وقد نشر مركز الأزهر العالمي للفتوى فتواه التي أكد فيها أن المساكنة زنا، وحكمها من حكم الكبائر، كما رأى فيها أنها اعتداء على كرامة المرأة، فهي غير مقبولة في المجتمع، كما أنها غير قانونية، وتتعارض كذلك مع الشريعة والأعراف والتقاليد، وإذا كان القانون لا يجرمها صراحة فإنه لا يعترف بها كزواج شرعي، وبالتالي لا يترتب عليها أي حقوق للطرفين، وهي من الكبائر والزنا في الإسلام.
وخلاصة الأمر أن البعض يرى في المساكنة شكلاً من أشكال العيش المشترك، أو الحياة المشتركة، ويراها أخرون خروجاً على المألوف ومخالفة للأعراف والتقاليد والدين، وهي تلقى رواجاً وانتشاراً في المجتمعات الغربية خاصة مع تغير المفاهيم الاجتماعية حول الزواج وأدوار الجنسين هناك. ومع ذلك فهناك من ينظر غليها على أنها تعد كذلك نوعاً من أنواع تجارة الرقيق الأبيض، وقد قربها بعض الفقهاء إلى زواج الطيور حيث يقضي كل طرف غريزته ثم ينصرف إلى حال سبيله، وذا بالطبع ينافي طبائع البشر الذين ميزهم المولى جل وعلا بكثير من الميزات ومنها العقل الذي تسيد به على غيره من المخلوقات.
يتبع،،،،،

الإعلامي محمد جراح المساكنة الجارديان المصرية