الإثنين 4 أغسطس 2025 06:35 صـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

مروة نايل تكتب : من الرماد إلى النور: تأملات في الصبر، الفشل، والبدايات الجديدة

 الكاتبة   مروة نايل
الكاتبة مروة نايل

من الجفاف تولد الزهور.. ومن الألم تُصاغ البدايات. تمرّ على الإنسان أيامٌ تبدو وكأنها لا تنتهي، يعلوها السكون وتغلفها الغيوم، وتشحّ فيها البشائر، وتتوالى فيها الخسارات، حتى يُخيَّل إليه أن هذا هو المصير، وأن الحياة لا تحمل إلا الوجع. ولكن الحقيقة التي كثيرًا ما تغيب عنا في خضم العواصف، هي أن لا شيء يدوم؛ لا الألم، ولا الفراغ، ولا الجفاف. إن بعد كل ليلٍ فجر، وبعد كل انكسارٍ فرصة، وبعد كل شتاءٍ ربيع.

قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد." فالصبر ليس مجرد تحمُّل للآلام، بل هو موقف حيّ يُغذيه الأمل، ويرسخه الإيمان بأن ما بعد الضيق إلا الفرج. حينما تتعطل الأبواب أمامك، لا يعني أن الحياة أغلقت عليك طرقها، بل لعلها تمهّد لك دروبًا أخرى لم تكن لتسلكها لو بقي كل شيء على ما يُرام. كم من أشخاص فقدوا وظائفهم فأنشؤوا مشاريعهم الخاصة ونجحوا، وكم من طلاب رسبوا في البداية ثم أصبحوا من أنجح الأطباء والمهندسين. تخيّل "توماس إديسون"، الذي قالوا له إنه فاشل، لكنه لم يرَ في فشله نهاية، بل بداية لاكتشاف جديد. بعد آلاف المحاولات، اخترع المصباح، ويُنسب إليه قوله: "لم أفشل، بل وجدت 10,000 طريقة لا تعمل." وفي السياق ذاته، يُروى عن ونستون تشرشل قوله: "النجاح هو الانتقال من فشل إلى فشل دون أن تفقد حماسك." تعبيرًا عن طبيعة الطريق نحو الإنجاز: طريق مليء بالعقبات، لكن لا يُقهر من لم يُهزم داخليًا. ويُقال عن الأديب الأيرلندي "صموئيل بيكيت" أنه قال: "حاول. فشل. لا بأس. حاول مجددًا. فشل أفضل." وهي دعوة للاستمرار لا للاعتذار، فالفشل ليس قيدًا بل مرحلة تنقلك إلى مستوى أرقى من الوعي.

هناك دروس لا نتعلمها في الفرح، بل لا يكشفها لنا إلا الحزن. ولولا الانكسارات، لما نضجت أرواحنا، ولما عرفنا معنى الشكر الحقيقي، ولما تعلمنا قيمة الأشياء الصغيرة. فحين يُحرم المرء من الماء، يعرف معنى كل قطرة. وكذلك الحال في الحياة، حين تُحرم من الراحة، من الحب، من النجاح، تعرف كم هي عظيمة حين تعود. وقد وجدتُ شخصيًا أن أكثر لحظات الهدوء وصفاء البصيرة جاءت بعد أشد العواصف التي مررت بها، حين خُيّل إلي أن لا مخرج، فإذا بالمخرج يحملني نحو رؤية أوسع وأعمق. ومن العظماء الذين ألهمونا بقصصهم، يُنسب إلى نيلسون مانديلا، الذي قضى أكثر من ربع قرن في السجن، قوله: "لا أخسر أبدًا.. إما أن أربح، أو أتعلم." وهذه العبارة تلخّص مسيرة حياة كاملة، وصبرًا استثنائيًا. كما يُنسب إلى الفيلسوف الصيني "كونفوشيوس" قوله: "أعظم المجد ليس في عدم السقوط أبدًا، بل في النهوض بعد كل مرة نسقط فيها." وهكذا يصبح الفشل لحظة وعي، والانكسار مدخلاً للنهوض، كما يُروى عن الرئيس الأمريكي "توماس جيفرسون" قوله: "لا تخف من الفشل. إذا فشلت، فاجعل فشلك درسًا في النجاح."

حين نُحاصر بالألم، يجب أن نؤمن أن ما من باب يُغلق إلا ويُفتح بعده باب آخر. وقد تكون اللحظات التي نشعر فيها أن كل شيء انتهى، هي ذاتها اللحظات التي تسبق التحول الأعظم في حياتنا. ويُقال في مثل صيني قديم: "الأوقات الصعبة تخلق رجالاً أقوياء، والرجال الأقوياء يخلقون أوقاتًا جيدة." من أراد الحياة الهادئة دون صعوبات، كمن أراد البحر بلا أمواج. فالأزمات تصقلنا، وتمنحنا فرصًا لنعرف أنفسنا على حقيقتها، ونكتشف كنوزًا في دواخلنا لم نكن نعلم بوجودها. وقد لخّص جلال الدين الرومي هذا المعنى الشعري بقوله: "لا تحزن، فكل ما تفقده يعود إليك بشكل آخر." ولعلّك لا تنال ما تريده كما حلمت، لكنك ستناله كما تستحق.

حين تضيق بك الأرض، تذكّر أن البذور لا تُزهر إلا بعد أن تُدفن، وأن الماء لا ينهمر إلا بعد احتباس. لا تستعجل الفرج، ولا تيأس إن طال الانتظار، فما زال في العمر متسع، وفي الغد وعد. كما يُقال في المثل العربي: "إذا اشتدّ الحبل انقطع." وما الحياة إلا مزيج من الابتلاءات والمنح، من الدموع والبسمات، من السكون والانفجار. ثق أن يومك قادم، وأن زهرك سينبت، فقط امضِ، ولو ببطء، فكل خطوة في الطريق نحو النور. ويُنسب إلى ألبير كامو قوله: "في أعماق الشتاء، أدركتُ أن بداخلي صيفًا لا يُقهَر." وما دمت تحمل هذا الصيف داخلك، فإن زمهرير الأيام لن يغلبك، ولن يبقى. إنّ الجفاف لا يدوم، كما لا يدوم الربيع. لكن ما يبقى، هو الإيمان بأن التغيير ممكن، وأن في داخل كل محنة بذرة منحة.

مروة نايل من الرماد إلى النور: تأملات في الصبر الفشل والبدايات الجديدة الجارديان المصرية