الأربعاء 20 أغسطس 2025 09:33 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

وصفى هنرى يكتب من فيينا: صورة طبق الأصل...يالطا 1945 وظلالها على الحرب الروسية – الأوكرانية

الكاتب الكبير وصفى هنرى
الكاتب الكبير وصفى هنرى

حين اجتمع روزفلت وتشرشل وستالين في يالطا عام 1945، كانوا يرسمون خريطة العالم لما بعد الحرب العالمية الثانية. ثلاثة رجال فقط، ومعهم جيوشهم وانتصاراتهم، قرروا مصير كوكب بأكمله. لم يكن للدول الناطقة بالعربية ، ولا لمعظم شعوب العالم الثالث مكان على الطاولة ، كانوا مجرد متفرجين أو مُصفقين ينتظرون ما تقرره القوى الكبرى ليصيبهم بعضه خيرًا كان أم شرًا .

اليوم، ونحن نتابع الحرب الروسية – الأوكرانية، أشعر أن المشهد يتكرر بصورة تكاد تكون نسخة جديدة من يالطا. القوى الكبرى تتحرك وتفاوض وتخطط لمستقبل النظام الدولي ، بينما يبقى المتحدثين باللغة العربية بعيدين عن المشهد وكأنهم غبار بشري يطوف حول المعارك دون أن يكون له وزن أو كلمة… في الأربعينيات من القرن الماضي كان جزء من الشعب المصري يتعاطف مع ألمانيا النازية، لا حبًا في هتلر رغم تسمية بعض المواليد المصريين بإسمه ، بل كراهية في الإنجليز، على أمل أن تخلصهم برلين من الاحتلال البريطاني ، لكن هذه العاطفة لم تصنع واقعًا ، ولم تُكسبنا مقعدًا في أي مؤتمر يرسم العالم الجديد.

وإذا نظرنا إلى ما يحدث اليوم في غزة ، نجد مأساة غير مسبوقة في حجمها الإنساني ، فقد دمرت تدميرا لم يسبق له مثيل حتى في الحرب العالمية الثانية ويُقتل عشرات الآلاف من المدنيين، ومع ذلك لا تجد هذه الكارثة وزنًا يُذكر على طاولة الترتيبات الكبرى ، العالم منشغل بتقاسم النفوذ بين موسكو وواشنطن وأوروبا، بينما تُترك المأساة الفلسطينية خارج المعادلات وكأنها تفصيل صغير في هامش التاريخ ، التعاطف مع أهل غزة وحقهم في الحياة الكريمة لا يعني القبول بما فعلته حماs ، التي جعلت من المدنيين وقودًا لحروبها وأدخلت شعبًا بأكمله في دوامة من الدم والدمار.

واليوم، نرى الموقف نفسه يتكرر ، تردد وحذر، انتظار للنتائج ، تصفيق لهذا أو ذاك، لكن دون امتلاك أوراق قوة تجعل وجودنا ضروريًا . ما سيجري بعد انتهاء الحرب الروسية الأوكرانية قد يشكل عالمًا جديدًا يستمر لعقود طويلة، مثلما فعلت يالطا قبل ثمانين عامًا، والخوف أن نظل – مرة أخرى – مجرد مشاهدين للتاريخ لا مشاركين في صناعته.

وصفي هنري
ڤيينا ١٣ مسرى ٦٢٦٦
١٩ أغسطس ٢٠٢٥