وصفى هنرى يكتب من فيينا : معا للأبد
في صباح هادئ من أيام سبتمبر الأسبوع الماضي ، وفي جو خريفي رائع في مدينة الأنس ، كنت أمشي في الشارع الذي يقع فيه منزلي ، حين لمحتهما من بعيد ، رجل وزوجته يجلسان على مقعد خشبي بجانب الرصيف بملابسهما البسيطة الأنيقة ، وكانت الشمس تتسلل بين الأشجار ، تلقي بظلالها على وجهيهما ، ويداهما الرقيقتان متشابكتان بلا انقطاع، كأنهما تعلنان للعالم كله بصمت “معًا إلى الأبد” .
بادرتهما بالتحية و بابتسامة خجولة ، وسألتهما بأدب إذا كانا من جيراني فى الشارع و عن عمرهما ومدة معرفتهما ببعضهما البعض ، ابتسمت الزوجة برقة ، وأجاب الرجل بصوت هادئ ودافئ “أنا هربرت، وعمري ٨٨ عامًا ، ثم أردفت السيدة “وأنا هرمينا، وعمري ٨٥سنة … قال هربرت إنهما متزوجان منذ واحد وستين عامًا ، لكنهما يعرفان بعضهما منذ شبابهما المبكر ، ويعيشان حياتهما معًا في كل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة ، شعرت في تلك اللحظة أنني أمام لوحة حية للوفاء والحب الذي لا يعرف الزمن.
طلبت أن ألتقط لهما صورة تجمعهما ، وقد وافقا برقة …أثناء تجهيز الهاتف لالتقاط الصورة ، لاحظت كيف تتحرك أصابعهما معًا في انسجام ، وكيف تنظر الزوجة إلى زوجها بعينين مليئتين بالحب والطمأنينة ، وكيف يجيب هو بابتسامة صغيرة وهادئة تكاد تكون همسا ، كما لو أن كل شيء حولهما مجرد خلفية لصمتهما الجميل ، كان صوت خطوات الناس في الشارع خفيفًا بالنسبة لهما ، وصوت الطيور كأنه موسيقى ترافق مشهد حياتهما الطويلة الهادئة .
تخيلت صباحاتهما معًا ، وهما يشربا ن القهوة في شرفة منزلهما المطل على الأشجار التي تملأ المكان ، يتبادلان الحديث بهدوء، أو ربما يمشيان في حدائق حينا الجميل ، يداهما متشابكتان دائما كما هي الآن ، يضحكان أحيانًا من ذكريات قديمة ، ويصمتان أحيانًا لتأمل الطبيعة حولهما. وربما كانت هناك أيام صعبة، مرض أو قلق ، لكن كلما مرت الأيام ، كانا يتشابكان أكثر، ويجدان في هدوء بعضهما القوة للتغلب عليها .
حتى المقابر القريبة من منزلنا، والتي يمر بها بعض الناس كأماكن للحزن، يمكن أن أتصور أنهما يمران فيها كما يمران بحديقة جميلة ، بين الأشجار والزهور ، يستنشقان الهواء النقي ويجدان في السكون عزاءً للروح . وربما كانا يحتفلان بمناسبات صغيرة مثل عيد ميلاد أو ذكرى زواج بهدوء ، بضحكة خفيفة ، بكلمة حانية ، وابتسامة صامتة تحمل سنوات من الفهم والوفاء .
كان كل شيء في حركاتهما وابتساماتهما يروي قصة صامتة عن حب حقيقي ، ظل المشهد محفورًا في مخيلتي ، يدان متشابكتان طوال الوقت ، نظرات متبادلة، ابتسامة خفيفة ، كل تفصيلة صغيرة تعكس أكثر من ستة عقود من الحياة المشتركة ، شعرت وأنا أبتعد بعد التقاط الصورة أنني لم أحمل مجرد صورة ، بل لحظة إنسانية نادرة ، درس عن الحب الذي يصمد أمام الزمن، عن السكينة التي تأتي من الوفاء الحقيقي، وعن جمال الحياة حين تشاركها مع من تحب ، وهدوء يملأ القلب.
وفي تلك اللحظة ، بدا لي وكأن الزمن توقف للحظة واحدة ، وكأن مدينة ڤيينا كلها أُختزلت في يدي هربرت وهرمينا المتشابكتين ، في ابتسامتهما الصغيرة ، وفي سلامهما الداخلي الذي يهمس لكل من يراه أن الحب الحقيقي ليس كلمات تُقال ، بل حياة تُعاش ، وهواءً نقيًا يُملأ به القلب روحًا ودفئًا لا ينتهي.
ايه اللى فاضل عالجنة
وصفى هنرى
٦ توت ٦٢٦٧
١٦ سبتمبر ٢٠٢٥














إصابة 5 أشخاص في انقلاب ميكروباص على الصحراوي الغربي بالفيوم
قرار جديد من المحكمة في أولى جلسات محاكمة البلوجر أم مكة بتهمة...
نزاع على الأرض يتحول إلى اعتداء بالعصي.. الداخلية تضبط الأطراف بالشرقية
مصرع 4 أشخاص صعقا بالكهرباء في مزرعة بقنا
توقيع اتفاقية مصرية إيطالية لإنتاج الغاز الحيوي ودعم الطاقة النظيفة
اسعار الذهب اليوم خارج مصر
أسعار الدولار أمام الجنيه اليوم الاثنين في مصر
أسعار الذهب في مصر اليوم الأحد 19 أكتوبر 2025