الأربعاء 22 أكتوبر 2025 06:19 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

عصام بيومي يكتب : رد حماس.. حالة ”تلبك فهموي”!

الكاتب الكبير عصام بيومي
الكاتب الكبير عصام بيومي

سأعصر في حلقي ليمونة كاملة قبل أن أستخدم أحد أساليب الفلسفة أو بالأحرى أحد أساليب أدعيائها في اصطكاك الكلمات والمصطلحات، لا لشيء إلا لأن عدم وضوح معنى المصطلح الذي سأصطكه هنا هو في حد ذاته دليل على المعنى الذي أقصده من عدم وضوح ما يجري بشأن رد المقاومة في غزة على خطة الرئيس الأمريكي لإنهاء الحرب وإحلال السلام ذات ال20 نقطة.

المصطلح هو "حالة تلبك فهموي" ، على وزن تلبك معوي. معذرة، فالغالب أن كثيرين لن يفهموا المعنى المقصود بسهولة. ولذلك لن أتأخر في التوضيح والشرح.
أحسب أن رد حركة حماس أصاب معظم أطراف الصراع في الشرق الأوسط بمن فيهم بعض أنصارها بحالة من عدم الفهم إزاء موقفها من خطة الرئيس الأمريكي لإنهاء الحرب في القطاع وما اعتبره هو إنهاء لمشكلة الشرق الأوسط بأسرها. لكن هذه الحالة من عدم الفهم تصل إلى مرحلة التلبك الفكري أو "الفهموي" عند ترامب وأنصاره لأنهم في اللحظة التي ظنوا فيها أنهم انتصروا سياسيا وحققوا مآربهم بإجبار حماس على قبول شروطهم لوقف الحرب، اكتشفوا أن ردها لم يكن قبولا لمطالبهم بقدر ما كان رفضا مبطنٔا في الواقع لها وأنها تلاعبت بهم على طريقة أفلامهم ومسرحياتهم الساخرة فكانت كمن قال " أنا أقبل أن..... أرفض مقترحاتكم". وهكذا، بمجرد أن سمع أهل واشنطن كلمة " أقبل" سارعوا إلى إعلان النصر ، قبل أن تصل إلى مسامعهم بقية الجملة التفصيلية والتي تحمل في طياتها حقيقة رفض أي مطلب يتنافى مع الحقوق المبدئية والشرعية للقضية الفلسطينية التي تنص عليها قوانين الأمم المتحدة، وأهمها مسألة تسليم السلاح.
هنا تحديدا أصيب أهل واشنطن بحالة التلبك "الفهموي"، فلا هم استطاعوا أن يفرحوا بنصرهم الوهمي، ولا هم استطاعوا أن يعلنوا أن حماس رفضت مطالبهم، وأنها ما زادت على أن قالت لنمضي في التفاوض وفق الحقوق الثابتة والقوانين الدولية، لتعيد الكرة من جديد إلى ملعب ترامب ورفاقه. والسبب أنهم فعلا وحقا ولأول مرة تقريبا في تاريخ الصراع يواجهون هذا النوع من الخصوم الأقوياء بمبادئهم، الثابتين كالصخر في المطالبة بحقهم والذين أوجعوهم، قبل كل ذلك، أيما إيجاع في ساحات القتال والوغى. ولم يلجأ أهل واشنطن وأذنابهم، في ضوء الانهزام الإسرائيلي الواضح، إلى تلك الخطة الخبيثة، إلا لأنهم مضطرون لوقف الحرب بأي شكل حتى ولو بتوجيه إنذار شديد اللهجة كما حدث بالويل والثبور وعظائم الأمور.. ولو يستطيع الواحد أن يواجههم لقتل بصوت الراجل الضعيف في المسرحية الشهيرة "متقدرش". وهل كان سيهدد لو يستطيع! وهل استطاع على مدى أكثر من سنتين!

هذا عن أهل واشنطن ومقربيها من الصهاينة وعلى رأسهم خونة العهود بقيادة نتنياهو، الذي كان أقل تفاؤلا إزاء رد حماس، مما دفع ترامب لتوبيخه ووصفه ب"المتشائم دائما"، بحسب "ذا تايمز أوف إسرائيل" .
أما أهل جوار غزة الذين خانها أكثرهم، أولا وآخرا، ففعلوا الشيء نفسه، لكن ليس للانتشاء بإعلان نصر وهمي، وإنما للمزايدة على المقاومة وتلبيسها طاقية الإخفاء، ليخفوها من الوجود، أو ربما طاقية التخذيل والتيئيس، بلا حياء، وكأنّ لهم كلمة فيما تقرره المقاومة من عدمه. وظنوا أنهم عندما يفسرون رد المقاومة بأنه قبول لمقترحات واشنطن، ويلحون على ترديده في إعلامهم، فإنها، أي المقاومة، ستستحي منهم أو تيأس وتقول "نعم نكتفي بهذا القدر.. ولن نعود بعد الفاصل". لكن هيهات هيهات،،، ويا حسرة على كل ضمير مات.
فللأسف، هناك من ينتظر منذ بداية الحرب، أي لحظة أو أي لفتة يظهر فيها ولو شبح استسلام أو انكسار حقيقي للمقاومة ليقولوا بشماتة، لم ولن تتحقق لهم: أبَعْد كل هذه الدماء التي سالت والخراب الذي حل.. كان من الأول"، والمعنى الذي يقصدونه هو أن المقاومة لم تحقق أي شيء وأن قرارها بالحرب كان خطأ منذ البداية.
وينسى هؤلاء مرة أخرى حديث" لا يضرهم من خذلهم"، لأنهم نسوا الله فأنساهم أنفسهم. وينسون أيضا أن سلاح المقاومة هذا رغم تواضعه أسقط من أبناء صهيون وعدتهم وعتادهم وكرامتهم وسمعتهم ما لم تسقطه جيوش كبرى في حروب سابقة.
وهم ينسون أو يتناسون عن عمد أن تلك الحرب هي الوحيدة التي أوجعت العدو الصهيوني ومن وراءه وجعا حقيقيا، هو الذي أصابهم بحالة "التلبك الفهموي" تلك، التي لا شك أنها أكثر إيلاما من حالات التلبك المعوي،، وجعلهم يتمنون، قبل حماس، وقف الحرب بأي ثمن وبأي شكل، حتى ولو كان بالتظاهر بالنصر. وكأنهم يقولون "الإعلام إعلامنا والدفاتر دفاترنا"!

ونسوا أيضا أن هذا الأسلوب قد يجدي مع العملاء لكنه لا يجدي مع من حاربهم بحق وأثخن فيهم تقتيلا لم يروه من قبل. فهم لم يكسبوا حربا قبل ذلك بقتال حقيقي، ولم تكن انتصاراتهم إلا بطريق الاتفاقات السرية والخيانات، التي لم يجدوا إليها سبيلا عند حماس التي ما تزال تقول للجميع: "نحن لا نستسلم، ننتصر أو نموت".

[email protected]

عصام بيومي رد حماس.. حالة ”تلبك فهموي”! الجارديان المصرية