الخميس 30 أكتوبر 2025 08:50 مـ
الجارديان المصرية

رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير عبد النبى عبد الستار

مقالات

شبراوى خاطر يكتب: عن وضع الأخلاق في قلب عالم الأعمال أتحدث

الكاتب الكبير شبراوى خاطر
الكاتب الكبير شبراوى خاطر

هل نحن اليوم في أشد الحاجة إلى بوصلة أخلاقية في مجال الأعمال؟. هذا إذا كنا نؤمن بالفعل بأن "العامل الوحيد الدائم في مجال الأعمال هو الأخلاق". وهل نستطيع تجزئة حياتنا ونكيل بمكيالين؟ - "فالفضائل والمبادئ الأساسية في الحياة الخاصة والعامة هي في الواقع هي نفسها، ولا تتجزأ، ولأنها مبادئ، فهي لا تختلف حسب الزمان والمكان... ولا يمكننا قبول استثناءات في أساليب العيش بيننا وبين ومعاملة الآخرين. فالحياة كلٌّ واحد، ويجب التعامل معها على هذا النحو" – وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، وهذا هو المبدأ الذي نهضت به حضارات كثيرة ونادت به كل الأديان، ومواثيق حقوق الإنسان، والمبادئ الأخلاقية للممارسات المهنية المختلفة.

وهل هذا يتعارض مع ما طرحه الاقتصادي الأمريكي الشهير ميلتون فريدمان (١٩١٢-٢٠٠٦)؟ والفائر بجائزة نوبل في العلوم الاقتصادية عام ١٩٧٦ لإنجازاته في تحليل الاستهلاك والمعروض النقدي ونظريته في شرح سياسات التوازن. فماذا قال "فريدمان" الذي أُطلق عليه لقب "الأب الروحي للبؤس العالمي": ففي مقال نُشر في مجلة نيويورك تايمز في سبتمبر 1970، قيل عنه أنه قال في رسالة واضحة: "المسؤولية الاجتماعية للشركات هي تعظيم الربح" - وبضربة واحدة كما قال خبير العلاقات العامة "روبيرت فيليبس" معلقاً على هذه الرسالة بأنها "تُخضع غرض ومسؤولية الشركات لدافع الربح". وبالنسبة لنا نحن الذين فقدنا عذريتنا الاقتصادية والسياسية في أواخر السبعينيات والثمانينيات، كان هذا بمثابة ضوء أخضر وحيد لأسوأ التجاوزات. إذ أنه فجأةً، أصبح الجشع جيدًا. وبدأت سيطرة المال تلعب الدور الأهم في السياسة والرياضة وأسلوب الحياة الاجتماعية.، وتدهس في طريقها الأخلاق.

ويضيف "روبيرت فيليبس" قائلاً: بينما حاول البعض تبرير "فريدمان" بالقول إن الشركات لا تستطيع تلبية احتياجات المجتمع بشكل أفضل إلا من خلال تعظيم الربح، أخذ آخرون ادعاءاته على ظاهرها. بالنسبة لهم، لا يكمن الكثير وراء قيمة المساهمين. هدف الشركات الحديثة هو تعظيم الربح والعائد. حيث أن هوامش الربح أهم من الناس أو الكوكب.

وهنا ندرك أن المثالية قد سُحقت على يد مجتمع يُفضّل الرغبات على الاحتياجات، ويُفضّل الأنانية على الكرم. يرتبط هذا التحلل الجماعي للمثالية ارتباطًا وثيقًا بفشله في كسب قضية الديمقراطية الاجتماعية خلال الخمسين عامًا الماضية، مما خلق فراغًا فكريًا ملأته حفنة من أصوليين السوق والليبراليين. غالبًا ما يكونون مجانين ومخطئين بنفس القدر. فكم مرة نسمع عبارة "الأسواق ستُقرر"، كما لو أن الأسواق قد تشبعت فجأة بالحكمة؟

البعض يرى إن الشر الحقيقي لاعتراف "فريدمان" أن هدف المؤسسات "لتعظيم الربح" يتجاهل الأشخاص الذين لولاهم لما كان هذا الربح ممكنًا. وإنه يؤدي إلى انتهاكات شنيعة قد تؤدي إلى استغلال العمال في مصانع الاستغلال في العالم الثالث إلى خلط حوم الخيل ومخلفات لحوم الحيوانات الأخرى في قطع الهامبرجر التي نستمتع بتناولها دون علمنا.

وبعيداً عن الجدل الذي أثاره "ميلتون فريدمان"، لطالما امتدت المسؤولية الاجتماعية للشركات إلى ما هو أبعد من الربح. ولا ينبغي أن نخدع أنفسنا بخلاف ذلك. من الممكن التوفيق بين الربح والغرض، بين كسب المال والصالح العام. لقد حان الوقت للشركات للتفكير من منظور ميزتها التعاونية، ولعقد أكثر صدقاً ووضوحاً مع المواطنين، يعيد النظر في التوازن بين الرغبات والاحتياجات.

وفي ذات السياق قد يكون من المستحسن أن نشير إلى إنه هناك عدة تعريفات للمسؤولية الاجتماعية للشركات، تختلف باختلاف وجهات النظر في تحديد شكل هذه المسؤولية. كما أنها تعكس الأطر النظرية لعلوم مختلفة منها: علم الإدارة وعلم الاقتصاد وعلم القانون، وعلم الاجتماع، بالإضافة إلى مفاهيم ووظائف العلاقات العامة والاتصالات المؤسسية. ومنها تعريف "بيتر دراكر" عام ١٩٧٧ بأنها "هي التزام المنشأة تجاه المجتمع الذي تعمل فيه"، ويشرحها كتيليب وآخرون كالتالي: أن علاقات الشركة بجيرانها داخل مجتمعها قد تكون حرجة لأن هؤلاء الجيران هم الذين يمدون المنظمة بالقوى العاملة ويوفرون البيئة التي تجذب أو تفشل في جذب الأفراد الموهوبين ويفرضون الضرائب ويوفرون الخدمات الضرورية كما يفرضون القيود على الشركة أو الصناعة، وأيضاً تعريف مجلس الأعمال العالمي للتنمية المستدامة للمسئولية الاجتماعية عام ٢٠٠٤ على أنها "الالتزام المستمر من قبل شركات الأعمال بالتصرف أخلاقياً والمساهمة في تحقيق التنمية الاقتصادية والعمل على تحسين نوعية الظروف المعيشية للقوى العاملة وعائلاتهم، والمجتمع المحلي والمجتمع ككل"
ويشير مصطلح المسؤولية الاجتماعية للمنظمات إلى أن منظمات المجتمع بمختلف أنواعها عليها أن تساهم في خدمة المجتمع، وأن تلعب دوراً اجتماعياً في خدمة وتنمية المجتمع وتحسين نوعية الحياة الإنسانية للمواطنين فيه.

مع ذلك، فإن نماذج الأعمال الحالية - ووسائل الاتصال التي تحميها - لا توفر ذلك. وكما لخص البروفيسور تيم جاكسون الأمر: "يتم إقناعنا لإنفاق أموال لا نملكها، على أشياء لا نحتاج إليها، لخلق انطباعات لن تدوم، على أشخاص لا نهتم لأمرهم ولا هم يهتمون بنا أيضاً." وحيث لازالت العديد من المؤسسات الإنتاجية والخدمية تواصل استغلالها لثقة العاملين بها ولعملائها الذين اتخذتهم رهائن متحصنة بمساندة غفلة تفعيل قوانين منع الاحتكار والسماح لهيئات مسنودة للتحكم في الأسواق والتآمر على الجمهور العام وكل ذلك لم يكن ليحدث لولا قلة وعي الجمهور وانحنائه وسلبيته تجاه سلوكيات وأفعال مؤسسات لا تراعى أبسط مبادئ المسؤولية الاجتماعية المنصوص عليها.

شبراوى خاطر عن وضع الأخلاق في قلب عالم الأعمال أتحدث الجارديان المصرية